الرجولة لها معادنها! - أحمد علي سليمان

وصفوا الرجولة بالكلام الجافي
هي عندهم حِكرٌ على الأرياف

لا والذي رفع السما لم يَعْدلوا
فيما ارتأوا ، ونأوا عن الإنصاف

في كل صُقع نجدة ورجولة
لم يخلُ عالمنا من الأشراف

في كل قوم سادة وحُثالة
وأخط ذلك دونما استنكاف

شتان بين الطلِّ يَغشى أسطحاً
في بُقعةٍ ، والوابل الذرَّاف

كلا ، وما استويا ضياءٌ والدُّجى
يوماً ، وما استويتْ قرىً وفيافي

سيظل فرقٌ بين رُشْدٍ والهوى
كالفرق بين قوادم وخوافي

جَهزت عُرسَك ، والضيوفُ لقد أتوا
ومئاتُهم ظهروا كما الآلاف

كلٌ يُبارك ، والجُموعُ غفيرة
ونفوسُهم تُزجي سَنا الإيلاف

والعُرسُ زانتْه الزخارفُ نُسِّقتْ
تغشى السُّرادقَ بالجَلال الضافي

والمَعصياتُ نأتْ بكل صُنوفها
فنأى الغِناءُ بشرِّه المِتلاف

ونأتْ معازفُ تجتني أزكى الهنا
وتُصِيبُ بالأحزان خيرَ زفاف

والرقصُ زايلَ عُرسَكم ، فإذا به
يُؤوي الورى في سُؤدَدٍ وطِراف

ونأى اختلاط شائهٌ مستهترٌ
ونأتْ نساءٌ جئن في الأفواف

وأبو العريس يلومُ جاراً ما أتى
ويُسائلُ الأقوامَ في استشراف

والعُذرُ مُلتمسٌ لجار مخلص
والقومُ بين مُوافق ومُنافي

حتى إذا جاء الصغيرُ نهرته
وكوى خواطرَه المقالُ الجافي

وزجرته والناسُ تسألُ: ما أتى؟
ماذا هنالك من عِتاب خافي؟

وطردته طرداً يُشِينك في الورى
ولقد يُشِينُ أصاغرُ الأحلاف

لم تكترثْ بالحزن يلفحُ قلبه
لم تعتبرْ بالمَدمع الذرَّاف

والعُرسُ تم ، وأطفِئتْ أنواره
والسعدُ غرَّدَ في صميم شِغاف

ومددت طرفك في الدجى مستعلماً
وأزحت بعضَ السرو والصفصاف

فرأيت قوماً يحملون جنازة
والنعشُ يُرسِلُ عُذرَه ويُصافي

فسألت: ما هذا؟ فقيل: جنازة
تأوي إلى الأجداث في الأفياف

فسألت: مَن هذا؟ فقالوا: ميتٌ
هو جارك المسكينُ يا متجافي

حضرتْ مَنِيتُه ، فقال لأهله
لا تُخبروا أحداً من الأضياف

ليتم عُرس ابن وحيدٍ أوحد
والدفنُ عَبْرَ الليل في الإسدافّ

الحي أولى من جنازة ميِّتٍ
هذا هُدَى الرئبالة الأسلاف

قولي الذي أشهرتُ خيرُ وصية
ألقى بها ربي المليك الكافي

والأهل قد صانوا وصية والدٍ
صانَ الجوارَ ، وكان خيرَ مُكافي

وحضرت معتبراً بخير جنازةٍ
سُبحان مَن يُبلي الورى ، ويُعافي

إن الرجولة لو علمت مَعادنٌ
والنصُّ خصَّك بالدليل الوافي

مناسبة القصيدة

(كان أحد الرجال يستعد للاحتفال بزواج ابنه الوحيد الذي وُلد بعد عشرين عاماً من زواجه ، كل الجيران يعلمون جيداً مدى حب الرجل لابنه وكيف. وكان مشغولًا للتحضير لهذا اليوم وهو يرى ولده عريساً. دعا جميع جيرانه لوليمة الغداء ، لكن جاره الملاصق لبيته لم يحضر ، ولم يشارك أحد منهم إلا الابن الأصغر ، حضر وبسرعة خرج من الوليمة بعد أن أكل منها القليل جداً كان والد العريس يراقب المشهد ويتساءل: ما هذا الجار الذي لا يقف مع جاره في هذا الموقف؟ وما هذا الجار الذي لم يحضر أبوهم أو الولد الأكبر على الأقل؟ ولماذا أكل الولد الأصغر بهذه السرعة وغادر وترك الفرح على الفور؟ ولهذا فالرجل أصابه الإنزعاج ، وخواطر كثيرة مرت على أفكاره. وبعد إكتمال الوليمة بدأ المدعوون بالتأهب بإحضار السيارات لجلب العروس من بيت أبيها كما تجري عادتهم وفي تلك الأثناء جاء الابن الأصغر للجار بسيارته للمساهمة بزفاف العروسين. لكن والد العريس رفض بانزعاج شديد وقال له: لا نريد مشاركتكم ، عندنا سيارات كثيرة ، فسكت الولد ولم ينطق بحرفٍ واحد. وفي تلك الأثناء لمح الأب حركة غير عادية وغريبة في بيت الجار فأثناء فتح الباب عندما ركن الابن سيارته عند بيتهم ، وأراد أن يسأله ، ولكن تذكَّر موقفهم السلبي فتركه بعد العشاء وإكمال مراسيم الفرح. وبعد أن غادر جميع الحضور ، وإذ بجنازةٍ تخرج من باب جاره من غير عويل ولا بكاء ولا ضجيج ، فسأل والد العريس من المتوفي؟ فرد عليه الابن الأكبر: إنه والدي توفى ظهر اليوم ، وعند شعوره بالوفاة ، أوصانا بالحفاظ على الهدوء وعدم إظهار الحزن إذا وافاه الأجل لتكتمل فرحتُكم بولدكم وذلك لأنه يعرف مدى حبك لولدك الوحيد ، وأوصانا أن تخرج الجنازة بعد انتهاء الفرح حتى لا تتعكر فرحتكم. هنا وقعت الحادثة كالصاعقة على والد العريس عندما ظن السوء بجيرانه ، وقال: والله لو كنت أنا ما فعلتها ، ولكن الرجولة لها معادنُها ولا يفعلها إلا الرجال. وإذن فكان على هذا الجار صاحب العرس أن يستوتق ويتثبت ويتبين ، قبل إصدار الأحكام على الناس. تأثرتُ بالقصة فقمتُ بصياغتها شعراً عنوانه جزء من كلام هذا الرجل. مبيناً أن الرجولة ليست ادعاءً بالقول أجوف بل هي أعمال.)
© 2024 - موقع الشعر