حكمة معلم عراقي! - أحمد علي سليمان

جَهرتَ بحق في السِّجال مُؤيَّدِ
وعالجتَ بالتنظير قبحَ تمَرُّدِ

وأخرَست أفواهاً تَعيَّنَ إفكُها
ومَن لا يقولُ الحق في الزيف يخلد

وناولت غِراً ما يُصَحِّحُ فهمَهُ
بردٍ كسهم صائب الرمْي مُقصِد

وبيَّنتَ تبييناً شَدَّ مَن غوى
وكم تبعثُ التبيينَ أنة مُجهَد

وأحرجَك التلميذ ، لم يدْر ما أتى
وأزرى بجمْع ناعم الطبع أغيَد

شبابٌ يُناغِي لذة العيش والغِنى
ومَن يلتحفْ باليُسر يُترفْ ويَفسُد

وأعطاهُ ربُّ الناس أسبابَ عِيشةٍ
فأضحى يُذِل الناسَ جبراً ويَعتدي

يرى الناسَ عُبداناً ، فحَقرَ شأنهم
فواهاً لخِب ، ثم واهاً لأعبُد

ويُوعَظ وعظاً ، والمواعظ جَمة
فليس يُصِيخ السمعَ طوعاً ليَهتدي

ويَرفلُ في زيف الحضارة عابثاً
ويُصبِحُ مُنصاعاً لها ، ثم يَغتدي

ويحيا بلا دين يُطبِّقُ شَرعَه
ويَهذي كبحر هائج المَوج مُزْبد

ويَضربُ في تِيه الضياع بلا هُدَى
فأبئسْ بتِيهٍ ما به صَفوُ مَورد

ألا أيها التلميذ حَجَّلتَ واسعاً
وأشهرتَ طيشاً بعد طول تمَرُّد

أتسخرُ مِن أستاذ جيل مُبَجَّل
وتُبدِي لمَن قادوك سَوْرة ألوَد

تُعايرُ أستاذاً بفقر وحاجةٍ
وقلب كئيب مِن أسى الفِكْر مُكْمَد

لتُضحِك أوباشاً تبدَّى سُفولهم
فليسوا ذوي عِز تحلى بسُؤدَد

وتُحْدِث في الصف الدراسي فِتنة
ليذهبَ جوٌ طيبٌ حالمٌ ندي

وتُشعِل حرباً تحْرقُ الكلَّ نارُها
وتُبكي قلوبَ الشمِّ خفقة أكبُد

فناولك الأستاذ أشرسَ طعنة
لتُودِي بليل فاقع الدَّجْو سَرمدي

لماذا تجَرَّأتَ؟ المَعاييرُ لم تزل
لها عُصبة في الدار تُؤوي وتَفتدي

لماذا تطاولت؟ (الهلافيتُ) تابعوا
وأحقِرْ بعدوان تقوَّى بجُحَّدِ

ولولا اغترابٌ (للعِراقي) لم يُهَن
ولم يُنتَقصْ مِن حاقدين وحُسَّد

لئنْ عاد أدناهُ (العِراقُ) وأهله
مُعلمُهم يَحظى بأشرف مَحْتِد

مناسبة القصيدة

(أستاذ ﺭﻳﺎﺿﻴﺎﺕ عراقي يعمل ﻓﻲ إحدى جامعات دول الماو ماو أو (جمهوريات الموز) ﺩﺧﻞ إلى قاعة المحاضرات ، وتفاجأ حين وجد أﺣﺪَ ﺍﻟﻄﻼﺏ الماوماويين وقد ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻰ السبورة: (عراقي + ﻓﻼﻓﻞ = ؟؟؟؟؟). فتوقف الأستاذ أمام السبورة ، ونظر إليها بحزن. ثم ﻧﻬﺾ أﺣﺪ ﺍﻟﻄﻼﺏ وكان يقهقه عالياً ﻭﻗﺎﻝ للأستاذ: ﻳﺎ أﺳﺘﺎﺫ ﺟﺎﻭﺑْﻨﺎ على هذا اﻟﺴﺆﺍﻝ ﺑﺎﻟﻠﻪ عليك. عندها صُدِم الأستاذ ﻭأﺣﺲَّ ﺑﺎﻟﻐﻀﺐ والإهانة ، وتحسرَ على العراق وكيف أصبح مهزلة عند دول الماوماو. فالعراق يوم كان فيه من الجامعات الرصينة والمؤسسات العلمية والأكاديمية والثقافية ومن الكتاب والشعراء والنقاد والعلماء الذين أبهروا العالم ، وكان صاحب أعرق حضارةٍ ، كان آباء وأجداد هؤلاء الطلاب حُفاة عراة عالة رعاءَ شاة. ولم يكن لديهم مدرسة ابتدائية واحدة ، ولم يكونوا يعلمون ماذا تعني الجامعة ، وماذا يعني العلم والأدب والثقافة والتطور والحضارة. ولكن الأستاذ وﺑﻜﻞ ﻫﺪﻭﺀ أﻣﺴﻚ بالقلم وقال لهم: سأخبركم ماذا يساوي العراقي؟ فكتب ﻋﻠﻰ السبورة: (عراقي + فلافل = ﻃﺒﻴﺐ ، ﻟﻴﻌﺎﻟﺠﻜﻢ ﻣﻦ أﻣﺮﺍﺿﻜﻢ المزمنة). (عراقي + فلافل = ﻣﻬﻨﺪﺱ ، ﻟﻴﺒﻨﻲ ﻟﻜﻢ ﺍﻟﺒﻴﻮﺕ ﻭﺍﻟﻤﺪﻥ الحديثة ﺑﺪﻝ ﺍﻟﺨﻴﺎﻡ التي احتوتكم كخراف بني إسرائيل الضالة). (عراقي + فلافل = ﻣﻌﻠم ، ﻟﻴﺨﻠﺼﻜﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻬﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﻨﺘﻢ تغوصون فيه عامة وعِلية). (عراقي + فلافل = ﻣﻤﺮﺽ ، ﻟﻴﻀﻤﺪ ﺟﺮﺍﺣﻜﻢ بدلاً من أن يملأها القيح والصديد ، وتُشققها الشمس ، ﻭﻳﺴﺘﻮﻃﻨﻬﺎ ﺍﻟﺬﺑﺎﺏ والحشرات). (عراقي + فلافل = ﻋﺎﻟﻢ ﻟﻴﻌﻠﻤﻜﻢ تكنلوجيا المعلومات ، وينقل لكم آخر ما توصل إليه العلم الحديث). (عراقي + فلافل = ﺣِﺮَﻓﻲ ، ﻟﻴﺼﻠﺢ ﻟﻜﻢ ﻣﺎ ﺗﺨﺮﺑﻮﻧﻪ من الأشياء التي ﻻ ﺗﻌﺮﻓﻮﻥ كيفية استخدامها). (عراقي + فلافل = ﺟﻨﺪﻱ ، ﻟﻴﻌﻠﻤﻜﻢ ﻣﻌﻨﻰ الأﻣﻦ والدفاع عن الوطن ، ليحميكم ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺎﻣﻌﻴﻦ والغزاة). (عراقي + فلافل = إعلامي ، ﻟﻴﻤﺤﻮ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ البشعة ﺍﻟﺘﻲ أﺧﺬﻫﺎ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻋﻨﻜﻢ وعن تخلفكم اللامحدود). (عراقي + فلافل = ﺧﺒﻴﺮ استراتيجي ، ليرسم ﻟﻜﻢ الحياة ﺍﻟﺴﻴﺎسية والاقتصادية والاجتماعية والديبلوماسية والإدارية). (عراقي + فلافل = أستاذ جامعي ، ليعلمكم معنى التربية والأخلاق ، التي يجب أن يتحلى بها الطالب الجامعي ، تجاه أساتذته ، ولكن مع الأسف لم تتعلموا شيئاً مما درستموه). ﺛﻢ عاد الدكتور المعلم وﻛﺘﺐ على السبورة بخط عريض والطلاب في ذهول تام: (ماوماوي - فلوس = ؟؟؟؟؟). والتفت إليهم ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻬﻢ: ﻣﻦ منكم ﻳﻤﻠﻚ الشجاعة الأدبية ﻟﻴﺠﻴﺐ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ السؤال؟ فلم يتجرأ أحداً منهم أن يجيب. ولكن هذا السؤال كان سبباً لإنهاء الجامعة عقدها معه ، وكانت هذه المحاضرة هي الأخيرة للأستاذ. فعاد إلى العراق وفضل العيشَ على الكفاف ، وآثر الموت في بلده ، بدلاً من أن يُهان في تلك الدويلة التي لا تُقدَّرُ مساحتها بمساحة شارع الرشيد في بغداد. هذا الأستاذ الدكتور المرحوم بإذن الله تعالى هو "سالم عبد الله" دكتور بالرياضيات بجامعة أوكسفورد ، وقد كان من أكفأ أساتذة الرياضيات على مستوى العالم ، وله مؤلفاتٌ كثيرة في الرياضيات والإحصاء بفروعها.)
© 2025 - موقع الشعر