فران سيلاك المحظوظ! - أحمد علي سليمان

هو الحظ مثل النور يخبو ويبرقُ
وينجو به عبدٌ ، وعبدٌ يُحَرَّقُ

وتبتسمُ الدنيا لعبدٍ فيَهتني
وتعظمُ في قلب بها يتعلق

ومَن يجعل الدنيا الدنية همَّهُ
تجرعَ خذلاناً ، وليس يُوَفق

ومَن يأمنِ الأوهامَ يُوبقْه زيفها
فأبئسْ بوهم يَستطيلُ ويُوبِق

وفيما اعترَى (سِيلاك) دَرسٌ وعِبرة
ومَوعظة مُثلى ، وحَدْسٌ ومَنطق

وقصة مَحظوظٍ تُمَتعُ قارئاً
يُطالعُ أحداثاً تشُدُّ وتُقلق

فهذا قطارٌ فارقتْ عَجَلاتُه
قضيباً بدرب ، ليس بالدرب مَفرق

ورُكابُه وفق التقارير جُندِلوا
فمَيْتٌ ومَجروحٌ ، وقاض يُحَقق

وينجو (فرانٌ) مِن هَلاكٍ مُرَجَّح
يُبيدُ حياة عندما الرُّوحُ تُزهَق

وتسقط (بُوينجٌ) ، وتفقِدُ أهلها
وطاقمُها يَفنى وبالموت يَلحق

وينجو مِن التحريق (سِيلاكُ) وحدهُ
وهذا على التحقيق قولٌ مُوَثق

ويغرقُ (باصٌ) يَبلعُ النهرُ أهله
ويَنجو مِن الغرقى الذي ليس يَغرق

فيركبُ مَتنَ المَوج (سيلاكُ) ناجياً
كأني بمَتن الموج يأسى ويُشفِق

وسيارة المَحظوظ يَحرقها اللظى
ويَنفجرُ الخزانُ ، والنارُ تشهق

وينجو (فرانٌ) ، ليس يَلفحُه لظىً
ومِن هول ما يلقى (الفتى) ليس يُصعق

ويَصدِمُ صِهريجاً ، ويَسقط لائذاً
بدُوح بها الأغصانُ تنمو وتُورق

ويَكسبُ مليوناً ويَزدادُ ماله
فيُعطِي الألى احتاجوا ، ويَسخو ويُنفق

ألا إنها الأقدارُ ، والسِّرُّ مُبْهمٌ
وربك يَختارُ القضاءَ ويَخلق

ولا يُسأل المَولى عن الفعل شاءَه
وما قدَّرَ الرحمنُ حتماً مُحَقق

مناسبة القصيدة

(ما تعجبتُ في مفارقات القدر الرباني العظيم ومفاجآته مثلما تعجبتُ في أمر فران سيلاك. واعتبرته – بالقياس إلى ما حدث له – رجلاً محظوظاً. والرجل من مواليد : كرواتيا - عام 1929م. وفي عام 1962م ، تعرض لحادث سقوط قطار من أعلى حافة نهر جليدي ، ومات كل ركاب القطار وسائقه وطاقمه ، فيما عداه وحده ، فقد استطاع الرجل الأوفر حظًا أن يسبح إلى الشاطئ ويعبره ، ونجا بأعجوبة من هذا الحادث ، ولكن ببعض الكدمات البسيطة بجسده وكسر بذراعه. وفي عام 1963 م ، ركب طائرة لأول مرةٍ في حياته ، وتعرضتِ الطائرة بشكل مفاجئ إلى تعطل في المحركات ، وفتحتْ أبوابُ الطائرة بفعل الضغط الذي تعرضتْ له الطائرة خلال السقوط ، فسحب منها فران خارجًا ، وسقط حيًا على كومة ضخمة من القش ، ومات كل ركاب الطائرة بما فيهم طاقم الطائرة. وفي عام 1966 م ، ركب سيلاك المواصلات العامة في مدينته كأي مواطن طبيعي ، ولكن تعرضت الحافلة التي يستقلها إلى حادث سقوط من أعلى حافة جسر في النهر ، ولكن تلك المرة لم يمت سوى 4 ركاب فقط ، وبالطبع نجا هو وخرج من تلك الحادثة ببعض الكدمات شبه المعدومة فقط. وكان قد اشترى سيارة جديدة عام 1970 م ، ولكن فور ركوبها لأول مرة ، احترق المحرك الخاص بها خلال قيادته إياها ، وقبل انفجار السيارة بثوانٍ معدودة ، استطاع أن يقفز من السيارة دون أدنى إصابات أو كدمات ولم يتشاءم ، كما لم يفقد الأمل ، وقام بشراء سيارةٍ أخرى عام 1973 م ، ولكن تعرضت السيارة لتسريب في الوقود على المحرك ؛ بسبب عيب في مضخة الوقود ، ما تسبب في خروج نار من فتحات الهواء وتعرض لبعض الحروق الكدمات ، ولكنه لم يتوف أيضًا وفي عام 1995 م تعرض لحادث سير ، حيث صدمتْه إحدى الحافلات ، ولكنه لم يمت ، وتعافى بعدها بقليل. وفي عام 1996 م ، كان فران يقود سيارته الاسكودا في طريق جبلي ، وفوجئ بسيارة نقل مقابلة له ، ففقد السيطرة على سيارته ، وسقطت من فوق تلةٍ ارتفاعُها 91 مترًا وانفجرت ، لكنه نجا بأنه قفز منها ، وتمسك بشجرة في أول الحافة. وفي عام 2005 م اشتري سيلاك أول بطاقة يانصيب له ، وربح مليونًا ومائة ألف دولار أمريكي. مما جعلني أتأمل مسيرة حياة الرجل وأندهش طويلاً. وأفرز اندهاشي نصاً عنوانه: (فران سيلاك المحظوظ). ذلك أن الأحداث التي مر بها في حياته جديرة بالتأمل طويلاً. وبقطع النظر عن عقيدة فران سيلاك ، فإن الذي حدث له حقيق بأن نقف حياله ونحلله وندرك عظمة الله ورحمته بخلقه ولو كانوا يزعمون أن له صاحبة وولداً. ما أحلم الله تعالى. وما أشد رحمته. وما أعظم حِلمه. وما أجمل شفقته. إن له سبحانه رحمة عامة بجميع مخلوقاته من الإنس والجن. كما أن له رحمة خاصة بالمؤمنين به والمسلمين له وهذا من عطاء الربوبية المكفول للكل. أسأل الله تعالى أن ينفع الناس بما نكتب.)
© 2025 - موقع الشعر