سَبَتْ طيِّباتِ الوصفِ والسَّمتِ زينبُ
وباتتْ بها الأمثالُ في الرُّشْد تُضربُ
تسامتْ خِلالُ العِز في نفس بَرةٍ
ولمَّا يَكُنْ في بَذلها العُرفَ مَأرب
سِوى أجرها عند المُهيمن حِسبة
وعند مليك الناس لا أجرَ يذهب
صَفا قلبُها مِن كل حِقدٍ يَشِينه
وعاشتْ لبذل الخير تهوَى وتطرَبُ
وما راقبتْ خلقاً يَكِيلون مَدحَها
مَدائحُ مَن يُطري البلياتِ تُعْقِب
تزوجَها (زيدٌ) ، وكانت عَقيمة
وليس مِن المَقدور للخلق مَهرب
فعانتْ مِن التعيير يُزري بشأنها
وقاستْ مِن التوبيخ يٌجريه مُذنِب
وعدَّدَ (زيدٌ) يَنشدُ الوُلدَ راغباً
وللمرء ما يرجو ويهوى ويرغب
وعاشتْ ببيت الزوج أشرسُ ضُرَّةٍ
وذاقتْ صنوفَ الكيد في العيش زينب
وحاولتِ التوفيقَ رغم بلائها
فلم تستطعْ ، إن التحمُّلَ يَصعُب
فطلقها (زيدٌ) ، ولبَّى اختيارَها
وبيتُ أخيها فيه عاشت تُقرَّب
ورحبَ أهلٌ خففوا مِن مُصابها
وجاؤوا لها بالأنس والأمن تطلب
وعاشتْ شهوراً في يَسار ونِعمةٍ
وطابَ لها طعمٌ ونومٌ ومَشرب
وعاد لها (زيدٌ) يريدُ رجوعَها
فقالت: نجومُ الليل أدنى وأقرب
وزادتْ: أنا في الأهل أحيا مَليكة
أصَدِّرُ أخلاقي ، وألهو وألعب
فكيف أضَحِّي رغم أنفي ، وضُرَّتي
تكِيدُ وتستعدي ، وعَمداً تُؤلبُ؟
فهوِّنْ عليك ، البُعدُ أثقلَ كاهلي
وبالرغم كان الشيءُ أخشى وأرهَب
ظننتُ طلاقي أجتني منه فرحتي
وحُرِّية كادتْ مِن النفس تُسلب
فجاء طلاقي خيبة ومُصيبة
فهل في النسا مِثلي تني وتُخَيَّب؟
حنانيك يا زوجي ، ودَعني وكُربتي
وقلباً على جَمر الغضى يَتقلب
سَخِرتَ بحُبي ، واستبحتَ كَرامتي
فحتى متى أهواء نفس تُغلب
هنيئاً لك الدنيا بزوج جديدةٍ
ودودٍ ولودٍ ، أنت بالسِّت مُعجَب
وأولادُها يُهدونك السعدَ والهنا
وعَيشُك بالأولاد قطعاً مُحَبب
فقال: ادرُسي قالت: دَرستُ ، فخلني
وبيتك إمَّا عُدتُ صدِّقْ سيُخرَب
وليس يدومُ الحالُ هذي حقيقة
ودنيا الورى بَرقٌ يشي العينَ خُلّب
دَهتْ زوجَها الأمراضُ صَعبٌ علاجُها
وقالوا: إذا عادتْ إليه يُطبَّب
فجاءت تجُوبُ الصعبَ في التو ضرة
وقالت: بها زوجاً ببيتي أرَحِّب
فعادت سُروراً وانطلاقاً وفرحة
ونَدَّتْ عَقابيلٌ ، وزايلَ غيهب
وبَشَّ لها زوجٌ ، ودَفتْ طيوفه
ولمَّا يُؤرقه الذي يتهيب
وعلّمتِ الأولادَ مِن بعض عِلمها
وكانت عليهم في البليات تَحْدِب
ودامتْ على الحُسنى بَقية عُمرها
وصَدعُ القرابى بالعطاءات يُرأب
فلمَّا انقضى عُمرٌ ، ووافى حليلها
وولى شروقُ العُمْر إذ حانَ مَغرب
وودَّعتِ الدنيا إلى غير رَجعةٍ
وباتتْ إلى الأموات تُعْزى وتُنسب
فأبكتْ عيوناً ، والقلوبُ بَكتْ جَوىً
وسارتْ بها الرُّكبانُ ، وانقادَ مَوكِب
وصارت بُعَيدَ الموت ذِكرى جميلة
كأني بها في ظلمة الليل كوكب
فسبحان مَن يبقى ، ويَفنى الألى بَرا
وقوماً يُكافيهم ، وقوماً يٌعذب
لا يوجد تعليقات.