لماذا يا بخاري؟ (محاكاة للجرجاني) - أحمد علي سليمان

مَديحُ (البخاريِّ) أرجَى القربْ
أسَطرُه بمِداد الذهبْ

ودَينٌ أوَفيهِ أحلى وفا
عطيرَ السجايا رفيعَ الأدب

تأخرْتُ عن رَدِّه موقناً
بأن الأداء عليَّ وجب

وردُّ الجَميل يُديمُ الإخا
ويَصرفُ عنا سقيمَ الرِّيَب

بُخارَى ستفنى وأصقاعُها
ويَفنى أعاجمُها والعرب

ويبقى (البخاري) في ذِي الدنا
عظيمَ المُقام عليَّ الرُّتب

وذي (أوزبكستانُ) كم فاخرتْ
بأعلامها الطيِّبين النُّجُب

وإن (البخاري) مِن خيرهم
وسُمعتُه في الورى كالذهب

أبوه تُوُفيَ منذ الصبا
فأكملتِ الأم مِشوارَ أب

فرَبَّتْ فتاها على عينها
وكانت على بذلها تحتسب

أعارتْه مِن عِلمها حِصة
وأعطتْه مِن حَزمها ما يجب

فشبَّ على العِلم مُستلهماً
مفاتيحَه مُوغلاً في الطلب

وعَى في الطفولة قرآنه
وما عاقه لهوُه واللعب

وحاز الأحاديثَ مُستوعباً
مَداها ، ولم يَخترمْه النصب

وجَلى أسانيدَها ناقداً
لِما قد حوتْ أمَّهاتُ الكتب

وخصَّ الرواة بتحقيقه
فلم يقبل الراويَ المضطرب

له منهجٌ صارمٌ مُنصِفٌ
وحَزمٌ تعجَّبَ منه العجب

ويكفيه سِفرُ (الصحيح) الذي
بما قد حوى حاز أسمى لقب

وكم (للبخاري) مِن رحلةٍ
وهل رحلة ليس فيها تعب؟

ففي (مكةٍ) وحدَها سِتة
وطابَ له العيشُ في المُغترَب

وحَلَّ ببغدادَ تنتابُه
نسائمُ مِن عِلمها تُرتغب

وفي (الكُوفة) ازدادَ سُلطانه
وفيها المُحَدِّثُ ألقى الخطب

وسائلْ (دمشقَ) وأمصارَها
وشرحُ (البخاري) مثل الشهُب

يُلاقي الخصومَ ، ويُزري بهم
ومِن ساحة الصدع لا ينسحب

وفي (مصرَ) ناظرَ أعلامَها
وأدركَ ما صرَّحُوا عن كثب

وراجعْ (خراسانَ) عن نشره
لعِلم الحديث إليه انجذب

تصانيفه الناشراتُ الهُدى
عَلاها (الصحيح) يليه الأدب

وأسفارُه الباعثاتُ التقى
وفيها البشاراتُ لمَّا تغِب

و(تاريخه) ما به مَزلقٌ
وكان له في السِّجال الغلب

دَواوينه في الحديث اسْتمتْ
عن الزيف ما رحَّبتْ بالكذب

له في القبول شروط قضتْ
بتدقيق ما خطه أو كتب

مُعاصَرة والسماعُ لِما
يقولُ الرُّواة ، وساق السبب

وكونُ الرواة تِقاةً خلتْ
تراجمُهم عن هوىً أو شغب

وشرط العدالة والضبط في
رُواةٍ أجادوا لسانَ العرب

وإتقانهم سابقٌ عِلمهم
وشرط التوَرُّع كم يُطلب

ولاقتْ قبولاً كتاباتُه
قروناً ، وما رَدَّها محتسب

إلى أن بُلِينا بهتافةٍ
يُجيدون حَبْكَ الفِرى عن رَغب

ولا يتقون إلهَ الورى
وتخريفهم حُق أن يُجتنب

يَعِيبون شيخ الحديث الذي
لتنقيحه كم دهتْه الكُرَب

وكم شككوا في أحاديثه
وأشقاهمُ بالأذي يَختضب

وذِي سُنة قد خبرنا بها
وجيل إلى أهلها ينتسب

فهم يطعنون بذا ناقلاً
ليُطعَنَ منقوله المستحب

لماذا ينالون مِن شيخنا؟
بلاءٌ على صالحينا انكتب

ولن تحرق النارُ غيرَ الذي
مِن الجمر إمَّا تصَلى اقترب

أجبْ يا (بخاريُّ) أشياخهم
عن العِلم مَرتْ عليه الحقب

وجاء الألى جندلوا كُنهه
وفيهم غدا الرأسُ أشقى ذنب

وكيف تصدَّرَ جُهالهم
ووصَفهم مَن عَتَوْا بالنُّخَب؟

فمَن رشَّحَ البُلهَ كي يَستموا؟
ومَن خيَّرَ الغِرَّ أن ينتخب؟

سيبقى (البخاريُّ) أستاذنا
وسيدَنا ، رغم أنف العُصُب

وأسفارُه سوف تمحو الدجى
وتقشعُ بالحق أخزى السُّحُب

عليه مِن الله رَحْماتُه
ونال المُنى وجَميلَ القرب

مناسبة القصيدة

(شرفٌ كبير للشاعر المسلم أن يكتب عن أعلام الإسلام من الأنبياء والرسل مروراً بالصحابة أصارهم ومهاجريهم ، وانتهاءً بالعلماء والفقهاء والصالحين ، وواحد من علماء الحديث هو أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري. وقد عثرت على قصيدة في مدح صحيح البخاري قالها إمام البلاغة والنحو والصرف والشعر والنقد والتراجم الفضل بن إسماعيل الجرجاني بعد أن توفي الإمام البخاري ، فقال الفذ في مطلعها ، مادحاً صحيح البخاري ، ومُثنياً على صاحبه: صحيح البخاري لو أنصفــــــــو هُ ، لما خط إلا بماء الذهـــــــــبْ هو الفرق بين الهـــدى والعمى هو الســـــــــد بين الفتى والعطب أسانيـــــــــــد مثل نجوم السماء أمام متـــــــــــــــون لها كالشهب بها قام ميــــــــزان دين الرسول ودان به العُجْـــــــــــم بعد العرب وختم الإمام الجرجاني قصيدته الجميلة الرائعة ، مبيناً مكانة الإمام البخاري - رحمه الله تعالى – وموضحاً دوره العظيم في انتقاء صحيح الأحاديث ، وفق شروط في غاية الصعوبة ، فقال:- سبقت الأئمـــــــــــة فيما جمعـــ ـت وفزت على زعمهم بالقصب نفيت الضعيـــــف من الناقليــــــ ــــن ، ومن كان متهماً بالكــذب وأبـــــــــــرزت في حسن ترتيبه وتبويبه ، عجبــــــاً للعجــــــــب فأعطاك مـــــولاك ما تشتهيــــــ ـــيه ، وأجزل حظك فيما وهـــب الإمام البخاري رحمه الله أعجوبة زمانه وأمير المؤمنين في الحديث. استحق قصيدة تؤدي له بعض جميله علينا. واليوم أستدرك ما كان ينبغي علي بالأمس. وبناءً على هذا كانت هذه القصيدة التي تسأل الإمام البخاري: لماذا تحداك خصومك وكادوا لك؟)
© 2024 - موقع الشعر