حنانيك يا عبد الحي (محاكاة لعبد الحي) - أحمد علي سليمان

أهديتُ (راحلة الفراق) جِلادي
وأعَرتُها في العائدات فؤادي

ودخلتُ (كهفياتِ عبد الحي) ، لم
أحفلْ بصَولة مجرم أو عادِ

ورحلتُ قبلك ، واصطليتُ بغربتي
وجهدتُ فيها غاية الإجهاد

وجرعتُ خذلَ الصحب مُرَّاً عَلقماً
وأصبتُ من خذلانهم بسُهاد

وشقيتُ بالأهلين أعظمَ شِقوةٍ
وكأنهم خلقوا لكبح ودادي

وشَرِقتُ بالخلان لمَّا أسفروا
عن حِفنةٍ من سيئ الأوغاد

ورأيتُ في التغريب كهفاً مُوحشاً
حتى رأيتُ الأنسَ أرضَ بلادي

في غربةٍ أنا ما احتفلتُ بطولها
إذ عَوْدتي لمَحلتي مِيلادي

سَلني عن التغريب كيف بلاؤه
وشؤونه سَكنتْ شِغافَ فؤادي

فلقد علمتُ بكهفه ورقيمه
علماً يفوقُ كتيبة الأفراد

كُن حِلسَ بيتك ، لا تُصاحبْ أرذلاً
عمداً يَبيعُك في زهيد مزاد

وانظرْ إلى مستقبل مترصدٍ
ترنو إليه نواظرُ الأحقاد

إذ إن تحديد المرام فراسة
فيها تكون مصارعُ الحُسَّاد

أنا يا(ابن عبد الحي) ذبتُ تحسراً
أنْ لم أجهز للقتال جيادي

بيَّتُّ حُسنَ الظن ، أحسٍبُ أنني
في غربتي في عالم الزهاد

قدَّرتُ أشياءً تُفيدُ صحابتي
والصحبُ لي في الكيد بالمرصاد

والله قدَّرَ أن أذوق عداءَهم
سبحان ربي المستعان الهادي

قدَّمتُ خيري وافراً ومقنطراً
والسوءُ من صحب لئام باد

هذا قصيدُك هيجَ الذكرى جوىً
وأنا أحاكي النص بالإنشاد

الكهفُ أولى من رفاق كالغثا
الكهفُ أطيبُ من رفاق النادي

الكهفُ في دنيا اغترابك جَنة
ترتاحُ فيها مِن شُرور عِباد

درسُ الحياة بباح كهفك نجدة
مما تُعاني النفسُ من تَسْهاد

وهو النجاة مِن المَهالك تجتني
في كل قلب طعمَ أي وداد

وهو السبيلُ إلى اتقاء معارك
رَصَدتْ وقوداً أسوأ الأجناد

التضحياتُ كثيرة ، ومِلاكُها
أن لا يُصيبَ الروحَ أي فساد

صورُ البلا شتى ، وأعتاها الهوى
لِيُزيغ بالإرغاء والإزباد

تصطادُك الدنيا إذا أحببتها
فاحذرْ فخاخ الصيد والصياد

لا تخلدَنَّ إلى زخارف أخذها
فلتدفعنَّ مَغبة الإخلاد

الكهف مَلجأك الوحيدُ حقيقة
ولزومُه يُنجيك يومَ مَعاد

واحذرْ مَقولة رفقتي وصحابتي
لا ألفينك تهذينْ: عُوَّادي

عاشرتُ قبلك ، والقصائدُ شاهدي
ورأيتُ أغلبَهم بدون رَشاد

مناسبة القصيدة

(أحاكي الشاعرَ القديرَ أحمد عبد الحي في نصه الرائع: (كهفيات عبد الحي) ، وذلك لما احتواه النص المحترم من جاذبية الشعر وبيان عظيم رسالته! والشاعر فيما يبدو قد دفعته ظروف الحياة لأن يعتزل أهلها قليلاً ، ثم أرسل راحلة فراقه ، وعاد إلى الناس! وكان الشاعر قد استهل قصيدته بمطلع يبين حاله وأنه ارتأى هجرة البلاد تطلعاً لغدٍ ومستقبل أفضل فقال:- وقد أويتُ إلى الجبال ، لأنني من بعد نصب قد بلغتُ مرادي حتى خرجتُ من البلاد لنلتقي وتعلم الطفل الذي بفؤادي! واستمر الشاعر في شجونه مسامراً غربته ومستفيداً من دروسها القاسية ، فتوصل إلى قرار حازم صارم رغم عدم حبه له ، وهو عودته إلى الناس من جديد. فقال الأستاذ عبد الحي:- ورجعتُ من كهف الحقيقة واجداً وخرجتُ من سجن الحقيقة حادي سأسوق راحلة الفراق لأنني ما عاد يجدي أوبتي ورشادي وعندما طالعتُ النص تذكرت غربتي التي ربما لا تقل قسوة عن غربة الشاعر عبد الحي إن لم تزد عليها! لقد كانت تجربة مريرة! ومن هنا كانت محاكاتي لنص الأستاذ عبد الحي!)
© 2024 - موقع الشعر