شهداء بقيع مصر! - أحمد علي سليمان

كم جَدَّ في نَيل الفخار عُدُولُ
فتحققَ المَرغوبُ والمَأمولُ

كم مِن أناس في التراب جُسُومُهم
ولهم على طول المَدى تبجيل

ماتوا وتذكُرُهم بخير ألسُنٌ
ولذكرهم ترجيعُه الملول

وثرى الكِنانة كم حوى مِن ماجدٍ
مُترفع ، وله الإباء دليل

يسترجعُ التاريخ سالفَ مَجدِه
ويتيه فخراً مجدُهُ المثلول

قالوا: (البقيعُ) ، فقلتُ: شرَّفَ يثرباً
ومُنوِّرُ الأصقاع بعدُ رسول

قالوا: بمصر (بقيعُ) أعظم سادةٍ
قلتُ: اصدُقوا كي لا تتوهُ عقول

قالوا: (بقيعٌ) في الصعيد يَزينه
خابَ الألى أقوالهم تدجيل

لمَّا نقلْ زوراً ، فكنْ مُتحفظاً
ولدى التقاة كلامُنا مَقبول

واستقرئ التاريخ ، وادرسْ نصه
هو للحقيقة مصدرٌ وسبيل

في خمسة الآلاف نصٌ قاطعٌ
كم يهتدي برُواته الضِّلّيل

هم مِن صحابة (أحمدٍ) ، بُشرى لهم
كلٌ لنُصرة دينه مَقتول

جادوا بأرواح ، وما بخِلوا بها
إن الكلام عن الخيار يَطول

كانوا الغطاريفَ الألى فتحوا الدُّنا
نِعمَ الفتوحُ زكتْ ، ونِعمَ رَعيل

ودِماؤهم في أرض (مصرَ) عزيزة
لا شيئَ عن بذل الدماء بديل

ليُلقنوا الرومانَ أعظمَ دَرسهم
فتعلموا ، وسبا العقولَ ذهول

قالوا لهم: تفدي الهُدى أرواحُنا
حتى يكون إلى الجنان وصول

والحربُ ما وضعتْ بهم أوزارَها
حتى طوتْهم أجبُلٌ وسُهول

وإذا رأيت الخيلَ تقتحمُ الوغى
والجيشُ في دار الكِفار يجول

والجُندُ تسبقهم طلائعُ كالردى
وقتالهم صَلبُ المِراس وَبيل

والقادة اتفقوا على أن يُحرزوا
نصراً تدُقُ لصانعيه طبول

أكبرتُ خيلاً قدَّمتْ فرسانها
والنصرُ خلفَ ضِباحها مَبذول

لكنْ بآلاف الضحايا خمسة
رُصدوا ، فما حدسٌ ولا تأويل

شهداءُ عند الله جلَّ جلالهُ
ونظنُّ لا قطعٌ ولا تفضيل

إنا لنحسبُهم ، وربي حَسبَهم
وعلى الذي فعلوا الإلهُ وكيل

أرضُ الصعيد بهم تُفاخرُ قومَها
والفعل ممتدحٌ يليه القيل

يا ربنا ارحمهم ، وأكرمَ شأنهم
فعزاؤهم أن المليك جليل

مناسبة القصيدة

(الأرض المقدسة كما يسميها العوام ، أو بقيع مصر ، أو مدينة الصحابة ، لقبت هذي البقعة من أرض مصر بأكثر من لقب ، وذلك لوجود 5 آلاف جثمان من جثامين كرام الصحابة والتابعين بمقابرها ، ومنهم من حارب مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم في موقعة بدر الكبرى (غزوة الفرقان)! هنا في محافظة المنيا حيث قرية البهنسا ، والتي تعد واحدة من أهم المناطق الأثرية في مصر ، والتي يوجد بها الكثير من الآثار الإسلامية والقبطية والرومانية ، ومختلف أنواع الأماكن التي تعد قِبلة للزائرين المسلمين والنصارى على حدٍ سواء! وعن بُعد كانت لافتة كُتب عليها: (اخلع حذاءك. فأنت فى الأرض المقدسة). هنا في قرية البهنسا استشهد 5 آلاف من كرام الصحابة والتابعين ، من بينهم 70 صحابياً حاربوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في موقعة بدر الكبرى ، وبمجرد أن تطرق قدماك هذه القرية يسكنك شعور بالأريحية وعبق التاريخ ، فتلك القرية تفوح منها رائحة طيبة ، وتهب عليها نسمات عطرة ، وكيف لا وهي أرض تسكن بها أجساد طاهرة وتضم مقابر الصحابة والصالحين وترتوي بدمائهم الطاهرة الذكية ، فصارت أرض الشهداء والبقيع الثاني بعد بقيع المدينة المنورة.)
© 2024 - موقع الشعر