السم غير القاتل! - أحمد علي سليمان

أسدَيتِ نصحَكِ طيِّبَ الأفكارِ
فمضى الرشادُ بسيِّيء الأخطارِ

يا ربة الفهم الصحيح تحية
مشفوعة بالود والإكبار

لمَّا أتتْكِ بُنية مقهورة
من صُنع زوج ظالم مكار

وسمعتِ منها دون قطع حديثها
فاسترسلتْ في ذِكْر كل ضِرار

صدَمَتْكِ بالأخبار صِحَّتها فقط
عند المليكِ الواحد القهار

وكأنما الزوجُ استباحَ ودادَها
وطغى عليها دون خوف الباري

ذكرتْه بالأوصاف يُخجلُ ذِكْرُها
وبدون تقدمةٍ ولا إنذار

عابتْه في دِق الأمور وجِلها
نعتتْه بالمستهتر المهذار

واستعظمتْ ما كان أنزله بها
من سييء الأحداث والأغيار

وأضافت الشيء الكثير على الذي
جاء الحليلُ مِن الأذى والعار

حتى استغاثَ الكل من أفعاله
وأذاه طال الأهلَ قبل الجار

والأم لم تُوغِرْ بقول صدرَها
بل رحَّبت معها بأخذ الثار

ما كذبتْها في الذي جهرَتْ به
كلا ، ولم تكُ في الكلام تُماري

بل سلمتْ بحديثها وبكائها
وشكاتها وبدمعها المِدرار

وتظاهرتْ بالوَجد في مأساتها
ورَجَتْ سلامتها من الأكدار

هي أبدتِ التصديقَ رغم تزيُّدٍ
أبدتْه نبرة كيدها المتواري

وتصنعتْ أن تستجيبَ لمطلب
أملتْه طائفة من الأفكار

لمَّا يُقِر به مُعاقِر خمره
كلا ، ولا هو مَطلبُ الخمار

وزبائنُ الحانات ما نطقوا به
حاشا ، ولم يذكرْه أهلُ البار

القتلُ أبشعُ ما يكونُ جريمة
مهما يكنْ من طاريء الأعذار

إزهاقُ روح الزوج هل ذا منطقٌ؟
هل موتُه خيرٌ لأهل الدار؟

لكنَّ أمَّاً فكرَتْ في بنتها
وتعاطفتْ ، مِن أجل ذاك تُجاري

ما جادلتْها لحظة فيما ارتأتْ
كي لا تُحَرِّق بنتها بالنار

قالت: لديَّ السُّمُّ يُزهِقُ رُوحَه
بقضاء رب الناس والأقدار

لكن عليكِ ببرِّه وبوُدَّهِ
لتكونيْ في مَنأى عن الأنظار

والملحَ أعطيتِ البُنية خُدعة
وتلطفتْ زوجٌ بكل يَسار

وإذا المعاملة احتفتْ بوقارها
يسمو التعامُلُ عالياً بوقار

وسَبتْ بإحسان فؤادَ حليلها
لمَّا يعُدْ في البيت بالجبار

فإذا به يُمسي ويُصبحُ طيباً
لمَّا يَعُدْ بالمجرم الغدار

يرعى الجوارَ ، وليس يَخفرُ لحظة
وهو الذي لم يَعتبرْ بجوار

يحمي الذمارَ ، ولا يُهينُ حليلة
يرجو ثوابَ الراحم الغفار

فأتتْكِ يَسبقها سرورُ فؤادها
ودموعُ عينيها كما الأنهار

والحزن يُلجمُ وجنتي غدَّارةٍ
قتلتْ برش السم في الإفطار

فأرحْتِها من شر طارقة الأسى
وجهرتِ بالبُشرى بلا إضمار

وسألتِ ماذا تطلبين أيا ابنتي
أفشي إذن ما غابَ من أسرار

قالت: أريد الزوجَ حياً ، إنني
أصبحتُ أحسبُه من الأخيار

أخشى أكونُ قتلتُه بترصُّدٍ
مع سبق ما أخفيتُ من إصرار

فبذلتِ بُشرى للبُنية أشرقتْ
شمساً تُباغتْ ليلها بنهار

إذ قلتِ: لا لم تقتُليه أيا ابنتي
فلتهنئي بحلول الاستبشار

لمَّا يكُنْ مسحوقنا السُّمَّ الذي
يُردي ، ويُنهي باقيَ الأعمار

بل كان مِلحاً ليس يَقتُلُ آكِلاً
هذي وربي خِيرة الأفكار

السُّمُّ أنتِ إذا تعمَّدْتِ الأذى
فأذاكِ يُعقِبُ شؤمَ كل خسار

السُّمُّ يأتي مِن نشوزكِ قاتلاً
مُتوشحاً مَنظومة الأوزار

السُّمُّ إن عاندتِ دون مُبَرر
والعِندُ ليس طبيعة الأبرار

كوني له أمَة لتسبي قلبَه
فلكَمْ سبَتْ مُهجَ الرجال جَواري

لا تُسْمِعيه من الكلام قبيحَه
بل ناوليه القولَ كالأشعار

أنا قد نصحتُكِ ، إنْ قبلتِ نصيحتي
جَنبتِ نفسَكِ بُؤسَ كل شَنار

وعليكِ مِن رب الأنام سلامُه
ما زارَ نحْلٌ مَشتلَ الأزهار

مناسبة القصيدة

(ذات مرة تعبتْ امرأة جميلة شابة من حياتها الزوجية ، وأرادتْ قتل زوجها والتخلص منه! وفي الصباح توجهتْ إلى أمها ، وقالت لها: "يا أمي تعبتُ من زوجي ، ولم أعد قادرة على العيش معه ، أريد أن أقتله ، ولكن أخشى أن يُحَملني قانون الأرض المسؤولية ، هل يمكنكِ مساعدتي يا أمي؟" ، أجابت الأم: ماذا حدث منه لتقُدمي على هذا الصنيع الإجرامي؟! وتركتْها الأم تحكي كما يقول العوام: (في الخمر يا ليل)! فشرَّقتِ ابنتها وغرَّبتْ ، وحذفتْ وأضافتْ ، وشيطنته أي جعلت منه شيطاناً ، وملّكِتْ نفسها أي جعلتْ من نفسها ملاكاً! فأدركتِ الأم بفطرتها وحرصها أن ابنتها بالغتْ ولا شك! فقالت لها: يستحق زوجك هذا القتل ويمكنني مساعدتك ، ولكن ، هناك مهمة صغيرة تتكون من عدة عناصر! فسألت الابنة: أية مهمة تلك؟ أنا مستعدة لها جداً ، بل ومستعدة لبذل أية تكاليف أخرى للتخلص منه؟ قالت الأم حسناً:- أولاً: سيكون عليك أن تتصالحي معه ، حتى لا يشتبه فيك أحد عندما يموت! وثانياً:- سيكون عليك تجميل نفسك حتى تبدين شابة وجذابة بالنسبة له! وثالثاً:- عليك أن تعتني به جيداً ، وأن تكوني لطيفة جداً ومقدرة له ولأهله! ورابعاً:- يجب أن تكوني صبورة ومحبة وأقل غيرة ، وأن يكون لديك آذان أكثر استماعاً ، وأن تكوني أكثر احتراماً! وخامساً:- أنفقي دون إسراف ولا تغضبي ، حتى عندما يعطيك المال لأي شيء لا تسرفي أبداً! وسادساً:- لا ترفعي صوتك عليه ، وشجعي السلام والحب ، حتى لا يشتبه فيك أحد عندما يموت! هل يمكنك القيام بكل ذلك؟ نعم أستطيع. أجابت البنت! قالت الأم: حسناً ، خذي هذا المسحوق وضعي منه قليلاً جداً في وجبته اليومية الإفطار: (سندويتشات الجبن والبيض والفول والمشكل) ، سوف تقتله ببطء ، وذلك بعد أربعة أسابيع تقريباً! وبعد 30 يوم رجعت الفتاة لأمها مذعورة وقالت:- أمي ، ليس لدي أي نيةٍ لقتل زوجي أو التخلص منه مرة أخرى. الآن صرتُ أحبه لأنه تغير تماماً ، هو الآن زوجٌ لطيفٌ جداً أكثر مما تخيلت! ماذا يمكنني أن أفعل لإيقاف مفعول السم؟ أرجوك ساعديني يا أمي. دعت بنبرةٍ حزينة! أجابت الأم ؛ لا تقلقي يا ابنتي ، ما أعطيتك إياه في البداية ، كان مجرد ملح طعام عادي على هيئة مسحوق ، ولن يقتله أبداً! في الواقع ، كنتِ أنتِ السم الذي كان يقتل زوجك ببطء ، بالتوتر والخلاف والمشاكل! فعندما بدأت تحبينه وتكرمينه ، وتعتزي به رأيته يتغير إلى زوج وَدودٍ ولطيفٍ جداً ، واصلت الأم حديثها ؛ يا ابنتي الرجال ليسوا أشراراً حقاً ، ولكن طريقتنا في الارتباط بهم تُحدِّد استجاباتهم ومشاعرهم تجاهنا! إذا كنت تستطيعين إظهار الاحترام والتفاني والحب والرعاية والالتزام مع زوجك سيكون لك ومن أجلك! من أجل هذه القصة الطريفة كانت هذه القصيدة التي عنوانها منها وهو فيها: (السم غير القاتل)!)
© 2024 - موقع الشعر