بأولادي ارتقيت! - أحمد علي سليمان

إن مشوار حياتي مُوبِقُ
وبه الآلامُ ليستْ تُشفِقُ

والمحطاتُ على الدرب شقا
وابتلاءاتٌ وفقرٌ مُطبق

وعذاباتٌ تسامى وصفها
وانكسارٌ بإبائي مُحدق

عاملٌ تُعطى له يَومية
والتكاليفُ مَداها يَصعَق

تسحقُ العيشة هذي هامتي
والمطاليبُ اعتزازي تسحق

لستُ ألقى المالَ يكفي عَيشهم
أشتهي مالاً عليهم يُنفِق

كم أضحِّي كي أراهم سادة
ولذا أعطي لهم ما أرزق

تلك مسؤوليتي لا ترعوي
لضحايا في لظى العيش شَقوا

كم سَهرتُ الليلَ أشكو باكياً
لمليك الناس حالاً يُوبق

كم لكسب القوت نيلتْ عِزتي
ربما لم يلق ذا مَن يسرق

كم سمعتُ من كلام ساقطٍ
ليس عن أفحش قول يَفرق

كم خزايا فيَّ باعوا واشتروا
بافتراءٍ جُله لا يَصدُق

كم تحملتُ البذاءاتِ اعتدتْ
دون حق ، والتجني مَزلق

وأنا جنبتُ أولادي الأذى
كم بهم رغم ابتئاسي أرفق

لم أكن أرجو لهم أن يُكسَروا
إن قلبي بالسجايا يَخفق

لم أشأ يوماً لهم أن يُجرَحوا
قد كفى حالٌ ضنيكٌ ضيق

وإذا تعويضُ ربي راقني
وعطاءُ الله غيثٌ مُغدق

وفقَ المولى عِيالاً أخلصوا
في ذرى العلياء ها هم حلقوا

فعلى التوحيد شقوا دربهم
لسِوى التوحيد هم لم يُخلقوا

خمسَهم صلوا على أوقاتها
ولهم سَمتٌ جميلٌ شيق

واستقاموا دون إخلال بما
شرع الرحمن حتى يسبقوا

شرفوني باجتهادٍ واضح
إنهم شمسٌ علينا تُشرق

وبأولادي ارتقيتُ للعُلا
في يدٍ مَجدٌ ، وأخرى بَيرق

أي فخر بعد هذا يا تُرى؟
وعلىَّ اليومَ كلٌ يُنفق

بارك الديانُ في السعي استمى
إن بذلَ المَرء نِعمَ المنطق

آية هذي بَدَتْ أنوارُها
كم أنا في عُمقها أستغرق

أذكرُ التاريخ أيامَ الضنا
وأنا في قيد فقري مُوثق

أنسجُ الآمالَ ، أستغني بها
عن حضيض فيه نفسي تعرق

لستُ أنسى مِحنة عايشْتُها
كل خير أجتنيه تمحَق

وأنا آتي لبيتي مُوجَعاَ
ومن الآلام تُدْمي مُرهَق

وأنا أسألُ عن شُغلي ، فما
ألتقي لفظاً لساني ينطق

أحمَدُ المَولى ، وأطري جُودَه
جَلَّ شأنُ الله رَباً يَرزق

مناسبة القصيدة

(يقول هذا الرجل المكافح المحترم: لم أخبر أولادي قط عن ماهية وظيفتي ، وذلك لوضاعتها وإن كانت مباحة ، ويُبرر: لم أرد يومًا أن يشعروا بالخجل بسببي. فعندما كان يسألني ابني الصغير عن عملي ، كنت أخبره - بتردد - أني مُجرد عامل يدوي أعمل بنظام اليومية يا بني. وقبل أن أعود إلى منزلي يوميًا ، اعتدت الاستحمام في أحد الحمامات العامة ، حتى لا يعرفوا ماذا كنت أفعل! وأردتُ إرسال جميع أبنائي إلى المدرسة في الحي الذي أسكن فيه ، وأردت تعليمهم ، وأردتهم أن يقفوا أمام الناس بكل كرامةٍ واعتزاز. لم أُرد أن ينظر إليهم أحد باحتقار ، كما يفعل الناس معي ، لقد اعتادوا على إهانتي دومًا! وادخرت كل قرش ممكن من دخلي من أجل تعليم أبنائي. لم أشتر قميصًا جديدًا قط ، فبدلًا من ذلك كنت أشتري كتبهم الدراسية. "كنت أحاول المحافظة على الاحترام" ، وهذا ما تمنيت أن يكنّوه لي ، في الحقيقة ، وكوني عامل نظافة قد لا يجعلهم يفخرون بي ، فضلاً عن أن يحترموني! وفي اليوم السابق لموعد تقديم ابني الأول في الجامعة ، لم أتمكن من توفير رسوم القبول لها ، ولم أستطع العمل في ذلك اليوم. فجلست بجوار القمامة محاولًا أن أخفي دموعي. وكان زملائي ينظرون لي ، ولكن لم يقترب مني أحدٌ منهم أو حاول التحدث معي. لقد فشلت في تحقيق حلم ابني بدخول الجامعة ، وكنت أشعر بالحزن وانكسار القلب. ولا أعلم كيف سأواجه ابني اليوم ، وكيف سأجيبه عندما يسألني عن تلك النقود بمجرد دخولي المنزل! لقد ولدتُ فقيرًا ، وكنت مؤمناً أنه لا يمكن أن يحدث شيء جيد لشخص فقير ، وخاصة لشخص مثلي. وبعد العمل ، تقدم نحوى جميع زُملائي وقبل أن يتحدثوا بشيء ، جلسوا إلى جواري على الأرض وسألوني عن سلوكي الغريب ، فأخبرتهم بالحقيقة! فأسفوا لذلك ، وسألوني: هل تعتبرنا إخوة لك؟ وقبل أن أجيب ، وجدتهم يمدون إليّ أجر عملهم في ذلك اليوم. وعندما رفضت ، واجهوني قائلين: سنجوع اليوم إذا تطلب الأمر ، لكن لا بد أن يذهب ابننا إلى الجامعة ، فانهمرت عيناي بالدموع ، وخنقني البكاء ولم أستطع الرفض! وفي ذلك اليوم ، لم أذهب للاستحمام - كعادتي - قبل العودة إلى المنزل. فقد رجعت كعامل النظافة المُتسخ الذي كُنت عليه دومًا ، فلقد دخلتُ البيت في عُجالة من أمري! وعرف أبنائي الحقيقة حقيقة أبيهم! ومرتِ الأيام والسنون! والآن ، ها هو ابني على وشك الانتهاء من دراسته الجامعية. ثلاثة منهم لم يسمحوا لي بالذهاب للعمل مرة أخرى. فابني لديه الآن عمل بدوام جزئي بجانب الجامعة والثلاثة الآخرون لديهم منح جامعية مجانية! وأحيانًا ، يأخذني ابني لمكان عملي القديم ، من أجل تقديم الطعام لكافة زملائي القدامى. وأحدهم وجد الأمر مُضحكًا وسأل ابني: لماذا تُقدم لنا كُل هذا الطعام يا بُني؟! فأخبرهم ابني قائلاً بكل فخر: إن جميعكم تضورتم جوعًا يومًا حتى أستطيع أن أصير ما أنا عليه الآن ، فأدعو الله أن أتمكن من إطعامكم جميعًا كُل يوم! فسررت بمقالة ابني التي جاءت ارتجالية صادقة دون إعداد أو تحضير أو توقع! فكيف أكون فقيراً وأنا أمتلك أبناء كهؤلاء؟! إنني فخور كل الفخر بهم! لقد ارتقيتُ مرتقىً صعب المال بأولادي واجتهاداتهم وإنجازاتهم الرائعة المبهرة! فبارك الله تعالى فيهم ولهم وعليهم!)
© 2024 - موقع الشعر