بورسعيد تتحدث عن نفسها! - أحمد علي سليمان

حَيًّيْتُ أهلي وأضيافي وسُكاني
وفي مَناقبهم عَزفتُ ألحاني

رَحَّبْتُ بالكل ، لم أبخلْ بعارفةٍ
والسعدُ غرَّدَ في سِر وإعلان

وأشرَقتْ بهجتي في كل ناحيةٍ
وفرحة الأهل أمستْ خيرَ برهان

أمَا رأيتُم سَنا (الأحياء) مُؤتلقاً
يَختالُ تِيهاً ، ويُلقي نورَه الحاني

سَلوا (المَناخ) وحَيَّ (الشرق) ما شهدا
مِن الجمال زها في وسط بستان

سلوا (الضواحيْ) وحَيَّ (الغرب) عن عجب
مِن البنايات تحكي حِنكة الباني

سلوا (القناة) رَسَتْ في قاعها سُفنٌ
تُصغِي لأمر رَبابين وقبطان

سلوا (الجَميلَ) به الأجواءُ ساحرة
كأنما مُزجَتْ بطِيب رَيحان

سلوا (الفنارَ) به البواخرُ احتفلتْ
من بعد ما احتفلتْ رمالُ شُطآن

سلوا (المَسلة) كم جادتْ معالمها
بسِر ما سَطرَتْه كف دُهقان

لبورسعيدٍ عُيونُ المَجدِ شاخصة
تدَوِّنُ العِز في أسفار دِيوان

فللخديويْ (سعيدٍ) نِسبتي شمختْ
لخير عهدٍ سما في خير أزمان

وفي الذي قاله (رُودياردُ) مَوعظة
إذ قال مُقتنعاً بكل تِبيان

فلندنٌ عنده والبُلط سِيان
رأى المُقامَ بها قرينَ تِحنان

ويُدركُ الناسُ ما للبُلط مِن شرفٍ
وليس يُنكرُ هذا أي إنسان

أما صَنعتُ لهم كِساءَ كعبتهم
من الحرير زها بخير خِيطان؟

لبورسعيدٍ رَحى التاريخ ما فتئتْ
تدورُ كي ترصدُ البعيدَ والداني

والبمبوطية ما انفكتْ معازفهم
مثلَ القصائد في شَجِيِّ أوزان

في كل صُقع بأرض الدار ملحمة
تروي البطولات في ساحات ميدان

واستنطِقوا زمرَ الرومان كم شهدوا
مِن الملاحم دكتْ ظلمَ طغيان

سلوا (المقاومة الشعبية) انطلقتْ
تصُدُّ ما كان مِن بغي وعُدوان

سلوا حِجارتها الصَّمَّاء إذ صَمدتْ
كم بالتعدي تهاجى صخرُ صَوان

مأوى الحضارات ماضيها وحاضرها
وملتقى صَحوةٍ من كل ألوان

وبورفؤادٌ تُجاريها وتَغبطها
على الرُّقيِّ سبا تفكيرَ أذهان

وبالمتاحف آثارٌ تُخَبِّرُنا
عن الشرافة فاقتْ كل حُسبان

تحوي الثقافات لم تبرح أماكنها
لسادةٍ علموا الدنيا وعُبدان

سلوا المساجد تُزْكيها وتُتحفها
وكم بها ازدهرتْ آياتُ قرآن

يا (بورسعيدُ) بك الأمجادُ صادحة
تُعْليكِ رغم التحدِّي بين بُلدان

وقاكِ ربكِ ما نحياه مِن مِحن
ولا أذاقكِ ربي ضنكَ خسران

يا ربِّ حققْ لأهليها مقاصدَهم
ما مدَّ قومٌ أياديْهم لرحمن

مناسبة القصيدة

(يعود تاريخ نقش هذه القصيدة إلى سبعينات القرن المنصرم ، وتحديداً بعد عودة المهجرين من أهل بورسعيد! والتي أسرتي واحدة من هذه الأسر! ثم أعيد بناؤها وترميمها في مطلع التسعينات! وكلامي عن بورسعيد بوصفها مسقط رأسي من جهة ، ومن جهة أخرى أنها اختصرت لنا المدى الجغرافي والتاريخي في سياج واحد! مدينة هي ملتقى الحضارة الأفريقية والآسيوية والأوروبية! مدينة السهر والخطر! مدينة الحرب والسلام! مدينة الغنى والفقر! مدينة الواقعية والمثالية! مدينة وقف عندها التاريخ وسجل مآثرها! مدينة كل جنس من الناس وكل لون من الحضارات وكل طيف من الثقافات! من أجل ذلك كله كانت قصيدتي التي تحمل عنوان: (بورسعيد تتحدث عن نفسها) على غرار قصيدة حافظ إبراهيم: (مصر تتحدث عن نفسها) مع تغيير في البحر والوزن والقافية! نعم ، فهي تلتقي مع حافظ في العنوان فقط! ومدينة بهذه القامة وبهذا القدر تستحق من ابن من أبنائها ومولود من مواليدها أن تكون له قصيدة عنها! تحكي عن مناقبها وتاريخها ونضال أهلها ومعاناتهم وأخلاقياتهم بكل حيدة! فإليك يا بورسعيد يا مدينتي الباسلة ، يا أرض البُلط كما يحلو للبعض تسميتها كان هذا النص!)
© 2024 - موقع الشعر