داووا مرضاكم بالصدقة! - أحمد علي سليمان

ربِحَ البيعُ ، وزالتْ عِلة
ومِن السَّرَطان نجَتْ نظلة

أنجاها اللهُ برحمتهِ
أنقذ مِعَدَتها المُعتلة

ولكَم أبكتني قِصَّتها
وسَبَتْ قلبي مِنها فِعلة

فشرعتُ لأنقشَها شِعراً
كعُنيترةٍ يُطري عَبلة

فجعلتُ البَدءَ نهايتها
والعنوانُ أتى مِن قولة

عانتْ (نظلة) مِن سَرطان
لم يَمنحْها يوماً مُهلة

والكِيماويُّ تعقبَها
والصِّحَّة باتتْ مُختلة

والطبُّ حباها كِلمته
بعد شهور تُنهي الرحلة

لن تُصبحَ مِن أهل الدنيا
مالَ السُّقمُ عليها مَيلة

رضِيتْ بمقادير المولى
غادتنا مِن أهل القِبلة

فاحتاجَ البيتُ لخادمةٍ
فأتتْ تعملُ ذاتُ العَيلة

جاء الفقرُ بها باذلة
جهداً يُربِحُ هذي النبلة

سألتْها (نظلة) في عجب
عن أمر يبدو كالمُثلة

فيم المُكثُ بدار خلاءٍ؟
هل سُقمٌ يَستوجبُ عُزلة؟

فأجابتْ إني مُرضِعة
حيث وَلدتُ بداري طفلة

تشكوني في أندونيسيا
أني قد آثرتُ الشغلة

تاركة بنتي في أهلي
يَغفرُ ربي هذي الزلة

فبكتْ (نظلة) لمَّا علمتْ
وطوتْ طرحَتها المُبتلة

قالت: عُودي يا خادمتي
ما أقسى هاتيك الرِّحلة

وحَبتْها أجرة خِدمتها
عامين وأهدتْها سَلة

فيها مِن وَرِق وعَقيق
وأقامتْ لوداع حفلة

والخادمة مَضتْ لحِماها
غادرتِ الأسرة والدَّولة

تُنهي عاميْها مُرضعة
وتعودُ لتعملَ كالنحلة

لا تأتِ الدارَ بمفردها
فلتأتِ بزوج والطفلة

وأتت (نظلة) مُستشفاها
لتُراجعَ أحوال العِلة

في التحليل النسبة صِفرٌ
أمرٌ أذهلَ أهلَ الحَملة

قالوا: كيف؟ وأصبحَ لغزاً
لا يَتصورُ عقلٌ حله

قالت: داويتُ بأموالي
أسقاماً ما كانت سَهلة

داوُوا بالصدَقة مَرضاكم
أطلقها مَولانا جُملة

لم أدْركْ مَعنىً تحمِله
وبها كانت أحلى نَقلة

فعليه صلاة وسلامٌ
ما بَقيتْ في الأرض المِلة

مناسبة القصيدة

(إنها قصة من الواقع ، لخادمه تدخل الحمام لتفرغ حليب صدرها! وكفيلتها ماذا فعلت؟ ألا إن هذه قصة عجيبة لا يصدقها إلا مؤمن بما جاء به الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم! رواها أحد الأحباب الصادقين من بلدة 'حريملاء' وهي بلدة قريبة من العاصمة السعودية الرياض! وبدايتها أن إحدى النساء وتُدعى (نظلة) من نفس البلدة أصيبت 'بمرض سرطان الدم' وتركز أكثر في مَعِدتها ، ومنها انتقل إلى الدم! أعاذنا الله وإياكم منه! ولحاجتها للرعاية استقدمت خادمة إندونيسية مسلمة حشيمة ، فكانت هذه المرأة بكل صراحة وصدق صاحبة دين وخلق! وبعد مرور أسبوع تقريباً على حضور الخادمة لاحظت هذه المرأة أن الخادمة تمكث طويلاً في دورة المياة! وأكثر من المعتاد وتتردد كثيراً على دورة المياة! وفي إحدى المرات سألتها عن سبب بقائها طويلاً في الحمام؟ فأخذت تبكي بكاءً شديداً! وعندما سألتها عن سبب بكائها؟ قالت: انني وضعت ابنتي منذ عشرين يوماً فقط ، وعندما اتصل بي المكتب في إندونيسيا أردتُ اغتنام الفرصو والحضور عندكم لحاجتنا الماسة للمال! وسبب بقائي طويلاً في الحمام هو أن صدري يمتليء بالحليب وأقوم بتخفيفه! حيث إنني فور الحجز لأقرب رحلة إليكم! لم يكن أمامي أي خيار سوى السفر تاركة طفلتي مع أبيها عند أهلي! وعندما علمت المرأة (أي نظلة) بذلك قامت فوراً بالحجز لها في أقرب رحلة لأندونيسيا ، وصرفت لها المبلغ الذي سوف تتقاضاه خلال السنتين بالتمام والكمال! ثم استدعتها وقالت له: هذه رواتبك لمدة سنتين مقدماً ، فاذهبي وأرضعي طفلتك واعتني بها! وأعطتها أرقام الهواتف في حال رغبتها للعودة بعد سنتين مستصحبة زوجها وطفلتها! وسافرت الخادمة ، وذهبت (نظلة) لمتابعة حالتها المرضية وفحص الدم الدوري الروتيني ولتعرف إذا كان العلاج بالكيماوي يؤتي ثماره أم لا! وهناك كانت المفاجأة المذهلة! حيث اكتشفت الطبيبة المتابعة لحالتها أنه لا يوجد أدنى أثر لسرطان الدم لا في المعدة ولا في الجسم كله! فذهبت بنتائج التحليل إلى رئيس القسم الذي أمر بإعادة التحليل عدة مرات! وذهل عندما وجد أن النتيجة لا تتغير! هذه الحالة غير مريضة بالسرطان! والنتيجة صفر! واستيقن الطبيب من شفائها التام! فسألها ومعه لفيف من الأطباء والطبيبات عن العلاج الذي استخدمته ، فأجابت: علاجي هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (داووا مرضاكم بالصدقة)! وقصت المرأة قصتها مع الخادمة كاملة! فأيقنوا جميعاً أن الله تعالى له في خلقه شــؤون! وأن المرأة التي تعد شهـــوراً وتستعد للموت قد منحها الله عمْراً مديداً! وتحت عنوان: (وقفات وتأملات مع حديث داووا مرضاكم بالصدقة) يقول الأستاذ محمد السقا عيد ما نصه بتصرفٍ زهيد: (عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (داووا مرضاكم بالصدقة). حسنه الألباني في صحيح الجامع لأول وهلة قد يستغرب قارئ أو سامع هذا الحديث بلسان حاله أو مقاله "ما علاقة الصدقات بعلاج الأمراض؟" ، والجواب أن علاج الأمراض له صلة وثيقة بالعقيدة وحسن التوكل على الله تعالي يقول سبحانه عن إبراهيم عليه السلام (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ). أي: إذا وقعت في مرض فإنه لا يقدر على شفائي أحد غيره، بما يقدر من الأسباب الموصلة إليه. تفسير ابن كثير. والقرآن كما أخبر الرحمن علاج لأهل الإيمان إذا صدق القلب وانشرح الصدر بالقبول والإذعان قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ). قال ابن القيم: "فالقرآنُ هو الشِّفاء التام مِن جميع الأدواء القلبية والبدنية ، وأدواءِ الدنيا والآخرة ، وما كُلُّ أحدٍ يُؤهَّل ولا يُوفَّق للاستشفاء به ، وإذا أحسن العليل التداوي به ، ووضعَه على دائه بصدقٍ وإيمان ، وقبولٍ تام ، واعتقادٍ جازم ، واستيفاءِ شروطه ، لم يُقاوِمْهُ الداءُ أبداً". زاد المعاد في هدي خير العباد. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الصدقة تداوي الأمراض! وهذا الإخبار الهام لا يصدر إلا بوحي رباني، فعلاج المرضى بالصدقة جزء من ذلك. فإن الطب نوعان جسماني وروحاني! فأرشد النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى الأول آنفاً ، وأشار الآن إلى الثاني فأمر بمداواة المرضى بالصدقة ، ونبه بها على بقية أخواتها من القرب كإغاثة ملهوف وإغاثة مكروب! وقد جرب ذلك الموفقون فوجدوا الأدوية الروحانية تفعل ما لا تفعله الأدوية الحسية. فيض القدير شرح الجامع الصغير. والإسلام دين شمولي يحض على التكافل الاجتماعي والاقتصادي ، وإخراج المال وبذله للآخرين مآله إسعاد فئات متنوعة من المجتمع وسد حاجاتهم ، وبالتالي الجزاء من جنس العمل (وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان) ، فالله سبحانه تكفل لمن أنفق دون رياء وبذل بلا مَنّ وأذى ، أن يداوي مرضاه ويعافي مبتلاه. والعلاج بالصدقة لدفع الأمراض والبلاء عام قد ينتفع منه غير المؤمن كالفاجر والظالم والكافر!)
© 2024 - موقع الشعر