شققنا عن أفلامه! - أحمد علي سليمان

فيم التلاحِي بلا إيرادِ بُرهانِ؟
وهل يَطيبُ نِقاشٌ دون مِيزانِ؟

وهل نؤمِّلُ خيراً في مُجادلةٍ
تُغلبُ الجَهلَ لم تَعمَدْ لرُجحان؟

وتُحسِنُ الظنَّ بالمُنحَلِّ تجعله
مُبَرَّأ بيننا مِن كل عِصيان

ونحن نسألُ مَن أودى بصَحوتنا
ومَن تفحَّشَ في سِر وإعلان

ومَن دَعا قومَه لكل مَهزلةٍ
تقودُ صَفوتهم لدرب خُسران

مَن أفسدَ الناسَ بالأفلام ماجنة
ترَوِّجُ الفسقَ في أصقاع بُلدان؟

مَن ناولَ الدُّعرَ مَيسوراً لراغبة
حتى يُسَلمَه لكيدِ شيطان

مَن قدَّمَ العُهرَ في سِر وفي عَلن
وأفحشُ العُهرِ ما استعلى بإعلان

ومَن تعمَّدَ بَثَ الرِّجس في وطن
ونارُ فتنتهِ استشرَتْ بأوطان

مَن عَلّمَ الناسَ حُبَّ المُوبقاتِ بلا
تحَرُّج أو حيا بكل إمعان

ومَن بزوجته بارى مَن انحرفوا
فأصبحَتْ سِلعة في سُوق ذؤبان

تختالُ مائسة لا عُرفَ يَردَعُها
وليس تكبحُها أركانُ إيمان

بضاعة رَخُصَتْ في كل مُصطدَم
كنعجةٍ دُوولتْ ما بين ذؤبان

ومَن توسَّمَ في أوهام شهرته
خيراً يُؤمِّله بدون حُسبان

خلفَ النجومية امتدَتْ مَطامحُه
وحوله جَوقة مِن شَرِّ خِلان

وللثراء سَعى عساه يُدركُه
وللغنى بذلُ مَجهودٍ وأثمان

والفنُّ أهداهُ ألقاباً مُزيَّفة
حروفها نقشَتْ قطعاً ببُهتان

كان الطبيبَ فخلى طِبَّه عَجِلاً
حتى يُقالَ له يا خيرَ فنان

كان المهندسَ لكنْ عافَ هندسة
مِن أجل فن ببيع الوَهم مُزدان

ظن البطولة في التمثيل قد حُصِرتْ
فصدَّقَ الظنَّ مَشفوعاً ببرهان

فانقادَ يُنفِقُ عُمْراً في تبَذله
والعُمْرُ إنْ لم يكنْ في طاعة فاني

واسألْ مَن اعتزلوا الفنونَ عن رَغَب
لم اعتزلتُم؟ وهل بُؤتُم بعُدوان؟

فبعضُهم للورى أبدَى صراحته
فقال ما لم يَجُل في أي أذهان

مِن المهازل يأباها مَن اتبعوا
هُدى الإله بإخلاص وإحسان

والبعضُ بيَّنَ ما في الفن مِن ضَلل
بكل صِدق وتفصيل وتِبيان

وألِفتْ كتبٌ بالخير تذكُرُهم
غدَوا لنشر الهُدى مِن خير أعوان

قالوا: لقد تاب (زيدٌ) عن تحَلله
والدمعُ تذرفه في التوبِ عَينان

فهل تبَرَّأ مِن أفلامه أمَلاً
في محو ذنب وفي تحقيق غفران؟

وهل تخلى عن الأعمال أكملها
بعد المتاب وما استعلى بنكران؟

قالوا: يرى هذه الأعمالَ مَرحلة
مِن عُمره بدرتْ ككل إنسان

وما ارتآها فجوراً خابَ فاعله
ولا ارتآها ضَلالاً يُوبِقُ الجَاني

لم يَتخذ مَوقفاً مِن أهل صَنعته
إذ لم يكنْ عنده بُعيضُ فرقان

ما الاعتزالُ إذا زاغتْ بَصِيرته
والأمرُ مُشتهرٌ بغير كِتمان

يُقِرُّ أهلَ الخنا والدُّعر دون حيا
وكان أولى بهم إشهار هجران

أو دعوة تنتوي تصحيحَ باطلِهم
فجُلُّ ما فعلوه مَحضُ بُطلان

حتى إذا لقِيَ الرَّحمنَ قلت لنا
ثوى الفقيدُ ، وأضحى عند رحمن

سَلوا له رحمة المَولى ومَغفرة
هو الفقيرُ إلى عَفو وغفران

قلنا: هو العبدُ لم يُصلِحْ سَريرته
ومَوته لو ترى مِن خير سُلوان

ندعو عليه ، ولا ندعو له أبداً
لمِثل هذا أعِدَّتْ شَرَّ نِيران

فقلت: عن قلبه شَققتمُ ولذا
قلتم مقالتكم بكل إتقان

قلنا: شققنا عن الأفلام قد قتلتْ
جيلاً ، وطالَ أذاها خيرَ نِسوان

وأحرقتْ بالترَدِّي من يُشاهدُها
أمسى ضحِيَّتها آلافُ شُبان

عليهِ مِن رَبِّه الجبار نِقمته
ما أومضَ البَدرُ في سَماء أكْوان

مناسبة القصيدة

(نفق أحدُ المفسدين في الأرض بعد إصلاحها وهلك! فقال أحد الصالحين المنصفين: اللهم بعدلك لا برحمتك مع هذا المفسد الفاجر! فأنكرَ عليه أحدُ الغفاة الجهلة المعرضين السفل قائلاً: "أشققت عن قلبه؟!" يُذكِّرنا بحديث أسامة بن زيد – رضي الله تعالى عنه - ، طبعاً مع الفارق! فإن الرجل الذي قتله أسامة وقد قال: لا إله إلا الله أعظم شأناً وأقل فساداً وحرباً لدين الإسلام من هذا المفسد الفاجر موضوع قصيدتنا! سواءً قبل إسلامه أو أثناء حربه لأسامة أو بعد إسلامه إن كان الله تعالى قد قبل منه! فكان الرد عليه: ما شققنا عن قلبه بالطبع ، فلقد شققنا عن أفلامه الداعرة الماجنة التي لم يتبرأ منها! بل بالعكس كان يفاخر بها ويعتبرها رصيداً إنسانياً إبداعياً! وكما كانت الأفلام متداولة يعلمها القاصي والداني ، فكذلك التوبة منها ، كان ينبغي أن تكون معلنة يشهد بها القاصي والداني! ولا يكفي ادِّعاء واعتزال الفن دون البراءة من ماضي الجاهلية والتحذير والتنفير منه! لقد كان آخر افتخاره بتلك الأفلام الفاجرة قوله متفاخراً بتقبيل العواهر والمومسات في تلك الأفلام! ومن هنا كان الأمر بحاجةٍ ماسة إلى الإيضاح ، والقول الراجح الفاصل هنا هو أن الشق عن الأفلام أغنانا عن الشق عن القلب! فلقد حكتِ الأفلامُ ما كان في القلب! ولنا الظاهر ، والله تعالى يتولى السرائر! وإن كانت له توبة بينه وبين ربه لم يعلنها على الملأ ، فهذه لا شأن لنا بها! لماذا؟ والجواب لأننا لا نعلمها! وإنما أجرينا الأحكام على ظاهر أمره في الدنيا! فلقد لقيَ الله تعالى ولم يبرأ علانية من هذه الأفلام ولم يقاطعْ أهل الفن ولم يفاصلهم على العقيدة ولم يدعُهم إلى البراءة من الفساد والمُجون!)
© 2024 - موقع الشعر