كفى يا عدماء الحياء! لكل عرسان الجاهلية - أحمد علي سليمان

على عُرسِكم بَكتِ الباكية
وجادتْ بأدمُعها الغالية

وتنعي التقاليدَ أين مضتْ
وتأسى على القيم السامية

وتستنطِقُ الدُّورَ عن مجدها
وهِمَّة أقوامها العالية

وتسألها أين أهلُ الحِجا؟
وأين الحواضرُ والبادية؟

وأين الغطاريفُ بين الورى؟
وأين المحاريبُ والزاوية؟

وأين الأشاوسُ إنْ زمجروا
أزالوا لظى المِحنة الجاسية؟

لماذا استكانوا لأعدائهم
وأزتْهمُ الهجمة الضارية؟

لماذا ارتأوا في الضلال الهُدى؟
ألم يَذكروا الأعصُرَ الخالية؟

لماذا استباحَ العِدا دارَهم
فعاشوا بها عيشة الماشية؟

وهل يُصلِحُ الدار عَيشُ الخنا
وفوضى تقودُ إلى الهاوية؟

لماذا تُراهنُ أعراسُهم
على الفتنة الفجَّة العاتية؟

فتُشهرُ في الناس أسيافها
لتستأصلَ الشرعة الهادية

وتجهرُ بالمعصيات استمَتْ
فهل تُفلِحُ الأنفسُ العاصية؟

تُذِيعُ الأغاني ، وتزهو بها
وتأتي برقاصةٍ غاوية

تُغني وتبدِعُ آهاتها
بألفاظها الغثة الصادية

تُجاهر بالفسق ديانها
وترقصُ فتانة عارية

ترى الاختلاط قرينَ الهنا
وكم فيه مِن خيبةٍ بالية

وتسمو المهازلُ إنْ آنستْ
قلوباً تُحِبُّ الهوى لاهية

وتعلو الزغاريدُ ملء الفضا
بأنغامها العذبة الشادية

كأن النساء على موعدٍ
مع الهزل والفِرقة الهاذية

ويأتي (العريسُ) له ضجَّة
ليجلس في (الكُوشة) الضاوية

جوارَ (العروس) حَلتْ جلسة
إلى الهُزء بين الورى داعية

بمكياجها كي تُرى سِلعة
وفستان ساقطةٍ عارية

أليس هنالك مِن غيرةٍ
على العِرض ، أو غضبةٍ واعية؟

أليس هنالك مِن مُنكِر
يُجاهد في الحفلة بالية؟

لَعاً للعروسَين قد عربدا
وقد أحرزا الضربة القاضية

أمام الجميع حلتْ رقصة
تزيدُ خنا الطغمة الغافية

وزادَ العريسُ شقا عُرسه
فجادَ بقُبلته الحانية

يَميناً تمرَّغ في وَحلهِ
وأشبعَ شهوته الحامية

لَعاً للعروس له استسلمتْ
وأسلمتِ الرأسَ والناصية

وقبَّلَ مِن فُجْره أمَّها
وأختاً تُطاوعُ كالجارية

فمَن ذا أجاز له ما أتى
كمثل البعير اشتهى راغية؟

يَبوسُ ويَحضُنُ بعض النسا
كمثل الخروف ارتأى ثاغِية

عديمَ الحياء كفى ، واستفِقْ
مِن الرِّجس والسَّكرة النابية

وأبئسْ بعُرسك مِن مَرتع
مَهازله في الغثا بادية

وصَوَّرت نفسك مُستمرئاً
مَحارمَ ربِّك يا طاغية

ألم تسأل النفسَ ماذا جنتْ؟
وماذا تُؤمِّلُ في الباقية؟

هداديك أقصرْ ، وتُبْ ، واعتبرْ
وإلا تتبْ فارتقبْ داهية

مناسبة القصيدة

(في الأعراس والأفراح الجاهلية المعاصرة يشيعُ الاختلاط المستهتر بين الرجال والنساء. ليس هذا فقط ، بل يُجاهَرُ الله تعالى بالأغاني الماجنة والموسيقى الصاخبة. ليس هذا فقط ، بل يجلس العريس وعروسُه في (الكُوشة) وهي بالطبع في كامل زينتها ومكياجها وعُريها بفستان لا يسترُ من جسمها إلا القليل ، وحتى هذا القليل تولى ضيقُ الفستان وشفافيتُه ومَلاسة قماشه إظهارَ ما ستره الفستان الملعون من الجسم. ليس هذا فقط ، بل يرقص العريس مع عروسه. ليس هذا فقط ، بل يُقَبِّل العريس عروسَه ، وتردُّ له قبلته فتقبله هي الأخرى ، وأحياناً يُقبِّل حَماته وسائرَ أخواتِ العروس علانية أمام الناس ، غيرَ عابيء بحلال أو حرام. ليس هذا فقط ، بل هناك تبادل الأحضان والضمَّات بين العريس وعروسه. والذي يظن أنني بالغت في الوصف نثراً وشعراً فأمامه (اليوتيوب) الذي يسجل هذه المهازل عليهم بالصوت والصورة! أشياء لو كان أبو لهب حياً لاستحيا منها! ذلك العريس الذي إن قدَّر الله عليه الموت من ليلته جعلوا منه العريس الشهيد أحد العشرة المبشرين بالجنة! وعروسه كذلك إن ماتت فهي العروس الشهيدة أم المؤمنين والمؤمنات! فلمَّا بلغ السيلُ الزبى كتبتُ هذا النص لأقول لعُدماء الحياء المنفلتين من الأخلاق والقيم هؤلاء: كفى. فلقد أسأتم وجَرَّأتُمُ الناس على الفساد والفجور. وترجون من الله النصر والمطر والخير والرزق والتوفيق؟ من أين يا حُثالة الخلق وأباش الناس وسَفلهم؟ ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا وأحمد الله تعالى الذي عافانا من هذا السفول وذلك الانحطاط وذاك الترَدِّي. ربنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.)
© 2024 - موقع الشعر