تأبين سعيد عبد العظيم! - أحمد علي سليمان

سُرَّ (البقيعُ) بمَوكِب الأفراح
لا لطمَ فيه ، ولا حَسيسَ نُواح

والنعشُ مُبتهجُ السريرة باسمٌ
مُتوشِّحٌ بالصمت خير وشاح

ومُشيِّعو الجُثمان هدَّهمُ الأسى
كلٌ بكى بالمَدمع السحَّاح

ونعى الجميعُ مُعلماً بلغ المَدى
في النصح والإرشاد والإيضاح

وتأثرتْ برحيله مُهَجُ الورى
أرأيت مِثلَ تأثر الأرواح؟

واستمطروا رحَماتِ رَبٍّ مُنعم
وتوسَّلوا بالواحد الفتاح

أن يرحم الشيخ الشهيدَ تفضلاً
ويُفيض مِن بركاته بصِفاح

ويَخصَّه بالرحمة اتسعتْ له
والجَمعُ قال بنبرة المِلحاح

يا ربنا فارحمْ (سعيداً) ، إنه
كم عاش يدعونا إلى الإصلاح

لم يرتزقْ يوماً بإبلاغ الهُدى
مثلَ الألى في الناس كالأشباح

أكلوا بدين الله ، لم يَتورَّعوا
وتبجَّحوا بهُرائهم في الساح

وغدا (مُسَيلمة) إمامَ ضلالهم
والبعضُ منهم يقتدي بسجاح

الشيخ قاطعَهم ، وكَشَّفَ كَيدُهم
واجتثَّ باطلهم بخير سلاح

ومجاهدٌ بالذكر يَختصر المدى
بمسيرةٍ قرنتْ ببذل كِفاح

نشرَ الحديثَ مُصحَّحاَ ومُنقحاً
وأجادَ بين الناس نشرَ صِحاح

وأقامَ حُجته ، ولم يكُ وانياً
وبيانُه كتبلج الإصباح

واستصحبَ البرهانَ يَقمعُ خصمَه
مِثلَ السهام براحة النضاح

نعمَ الأدلة ساقها نبراسُنا
تُزري بصاحب سَطوةٍ ووَقاح

كم صَدَّ هجمة مُبطل لم يَمتثل
أدبَ الحوار ، وساقطٍ ، وإباحي

كم ردَّ فِرية مُفسدٍ مُتخرص
مُتملق مُتزلفٍ سفاح

لم يخشَ في الرحمن لومة لائم
بل كان يُخرسُ مَن طغى ، ويُلاحي

كان الطبيبَ مُشخصاً أمراضنا
لنعيش دون مَواجع وجراح

كلية الطب التي شرُفتْ به
منحتْ شهادتها بدون مزاح

ليكون دكتوراً له تشخيصُه
أكرمْ بعالم طِبِّه المِنصاح

وأوى إلى القرآن يدرسُ آيه
وبه يسيرُ كحامل المصباح

ليُنير درباً ضُوعِفتْ ظلماتُه
والماكِثون به كما النزاح

وعليهمُ اختلطتْ أمورٌ جَمة
فإذا المباحُ غدا كغير مباح

وطغتْ على الآنام أعظمُ فتنة
في غدوةٍ أودى بها ورَواح

حتى قضى سبعين عاما في المَضا
اليوم يرحلُ رحلة المرتاح

إنا لنحسبه ، وربي حسبه
أوحى لنا ذكراه نفحة واح

ونعى لنا نفساً دنا ميعادُها
وقضى فهل في النعي أي جُناح؟

ووكيله الرحمنُ ، هذا ظننا
إذ كان صاحب دعوةٍ وصَلاح

أعطى وناصحَ ، لم يُطوِّع دينه
وله صُوَىً في جهره اللماح

كجواد سَبق ما ارعوى في ضبحه
بل أكملَ المشوار بعد جماح

وأتاه نُصَّاحٌ ضلالٌ نُصحُهم
ما انفك يَفضحُ (عِرَّة) النصاح

الشيخ مات ، ولم تزلْ أسفارُه
في المكتبات كعاطر الألواح

والبعضُ تُرجم كي تُزخرفه اللغا
والبعضُ يُعطى حِسبة بسماح

أنا يا(سعيدُ) على رحيلك آسفٌ
وأخصُّ بالإطراء والأمداح

كتباً تركت وضيئة صفحاتُها
ناحتْ عليك كسائر الأنواح

عاينتُ في (الإسكندرية) حزنَها
مُذ غالها نبأ بشرِّ صباح

كانت تُجلك لا تسل عن جُودها
وخصِصت في (سَمُّوحَةٍ) بجَناح

وبمسجد (الفتح) استقامت دعوة
لم يمحُها يوماً تجبُّرُ ماح

طلابُ عِلمك ما نسَوْك لحَيظة
فاشمخ بصِيتك ، وابتشِر يا صاح

(عبدَ العظيم) بكيتُ موتك والنوى
لا يُرجعُ الأمواتَ أيُّ صِياح

في خير أيام قبضت ، وبقعةٍ
إن (البَقِيع) بها لخيرُ بِطاح

ضمَّتْ صحابة (أحمدٍ) وحريمهم
خير الرجال همُ ، وخير ملاح

ستُجاورُ (الصِّدِّيقَ) خيرَ رجالنا
وتكون جار (الليث) والجرَّاح

وتُراثك المذخورُ نحن دعاتُه
ولسوف يَحظى في الوغى بنجاح

ومن اهتدى بهداه فالبُشرى له
وله بهذا العيش كل فلاح

هو منهجٌ متكاملٌ مسترشدٌ
هو غيرُ محتاج إلى الإفصاح

إذ كل سطر فيه شمسٌ أشرقتْ
فزها بنص قاطع مِفصاح

أو كالغدير حبا العِطاشَ نميرَه
مَرحَى بماءٍ – للظِماء – قراح

رباه فارحمْ يا رحيمُ سعيدَنا
هو يستجيرُ بربه الفتاح

أبدله داراً فضلتْ عن داره
بُسِطتْ بأحلى سُندس فياح

أبدله أهلاً فضلوا عن أهله
ولهم كذلك أفضلُ الأرواح

مناسبة القصيدة

(لقد كان للشيخ العلامة سعيد عبد العظيم - إمام الدعوة السلفية المحترم - مكانة كبيرة في نفوس طلبة العلم الذين يُعظمون شأنَ العلم والعلماء! وطبيعي أن لا يكون له أدنى مكانة في نفوس المبتدعة ، ولا الروافض ، ولا المرتزقة ، ولا العلمانيين ، ولا الإباحيين ، ولا الملاحدة ، ولا طلاب العلم الصفر البلهاء السفهاء الحمقى أتباع كل ناعق الذين لا يعرفون كوعاً من بوع في دين السلف الكرام! ولمَّا توفاه الله - تعالى - في ليلة الاثنين السادس والعشرين من ذي القعدة عام 1445هـ ، الموافق الثالث من يونيو 2024م ، وعود على بدء! فمن سعيد عبد العظيم؟ وما حقيقة دعوته؟ وماذا عن مسيرته العلمية والدعوية؟ إنه سعيد عبد العظيم علي محمد (10 نوفمبر 1952 م - 3 يونيو 2024م) ، من مشايخ الدعوة السلفية بمصر ، ومن مؤسسيها في السبعينات من القرن العشرين ، ولد في الإسكندرية في 10 نوفمبر 1952م! حصل سعيد عبد العظيم على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة الإسكندرية عام 1978م ، وهو خطيب مسجد الفتح بمصطفى كامل بالإسكندرية ، كما قام بعمل رحلات دعوية إلى قطر وفرنسا وإيطاليا واليونان! هذا ، وتوفي في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية ليلة الاثنين 26 ذو القعدة 1445 هـ الموافق 3 يونيو 2024 م! فرحمه الله رحمة واسعة! وإذ مات الشيخ في غير دياره غريباً ، ونص حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم على أن الغريب شهيد! فنسأل الله تعالى أن يكتب شيخنا الراحل سعيد عبد العظيم من الشهداء! ومن الآن أقولها: نحسب الشيخ شهيداً ، ولا نقطع له بالشهادة لماذا؟ لأن الحكم القطعي لله العلي الكبير فقط! وأما نحن فنحكم وصفياً بما رأت العين وأدرك العقل من أحكام الدنيا الظاهرة! لئلا يخرج علينا شحيط بن محيط فيتهمنا بالقطع لمعين بالشهادة! نقول له: يا جاهل يا مغرض يا سفيه ، نحن نجري أحكام الدنيا على ظاهرها ، وأما الحكم لمعين الحكم القطعي الثبوتي فلله! فكان لزاماً على كل شاعر مسلم مؤمن موحدٍ يعيشُ على منهج السلف الصالح بحق أن يبكيه شعراً! ولما كنتُ – وأحسبني – واحداً من هؤلاء الشعراء ، كانت هذه القصيدة التأبينية للشيخ العزيز سعيد عبد العظيم! وإن لم يؤبن الشعرُ السلفيُّ علماء الدعوة السلفية فمن يؤبن؟! ومن يبكي؟! ومن ينعي؟!)
© 2024 - موقع الشعر