رسالة إلى لبيد بن الأعصم - أحمد علي سليمان

رُويدك ، خابَ سَعيك يا لبيدُ
وجُفك لم يحالفه الصمودُ

وسِحرُك للنبي غدا سراباً
تؤرجحُه - بما يحوي - الرعود

ونفثك أبطلتْ بلواه آيٌ
مُنزّلها هو اللهُ الحميد

وكيدُك باء بالسوآى ، فأقصرْ
فأنت بما أحدثتهُ بئس المَكيد

وحقدُك أنت تشرب مِن لظاهُ
وليس يبوء بالنصر الحقود

وغِلك في حضيض الأرض مُلقىً
تظللهُ السلاسلُ والقيود

وسيفك لم يذقْ طعم التحدي
فجندُ الله - في الحرب - الأسود

ونارُك أخمِدتْ في كل صُقع
ونارُ الحق أنت بها الوقود

وشربك للدماء له سُعارٌ
ويفعلُ ما فعلتَ بنا اليهود

وأحرقك السُعارُ ، وأنت لاهٍ
وبالموت الزعافِ جرى الوريد

ألا أبلغ رفاقك كي يُفيقوا
ويَعتبروا بما حصد اللبيد

فكم مكروا ، وكم حاكوا المخازي
ومكرُ الكفر ليس له حدود

وكم سفكوا الدماءَ بغير جُرم
وأيديهم مِن التذبيح سُود

وكم قتلوا بسيف البغي قومي
ألا خاب الطواغيتُ القرود

وكم هدموا البيوتَ بكل رُكن
وسُوح المسجد الأقصى شهود

وكم نهبوا الحقوق لكي يعيثوا
فساداً في الديار ، وكي يسودوا

وسَل عما جَنوْهُ ربوع أرض
وسَل موتى تلوكُهُمُ اللحود

وسَل جيل اليتامى عن جحيم
عليهم صبّه الجيشُ الكَنود

وسَل أرضاً بخالقها استجارتْ
فمن بأس العِدا شاب الوليد

وسَل حزباً يُعادينا عَيانا
ويعلم مَن يُعاديه الليكود

وأسأل: هل كتائبنا استكانت؟
وهل سكتت عن الذود الجنود؟

وهل يئستْ مِن النصر انهزاماً؟
وهل خافت مِن الحرب الحُشود؟

وهل نامت بحسرتها فئامٌ
تظن النصر يصنعه الرقود؟

وهل رضيتْ بواقعها ليوثٌ
فواعدَها الردى العيشُ الرغيد؟

أم انطلقتْ جَحافلنا صقوراً
وعُدتها التوكلُ والحديد؟

تصب الموتَ فوق الأرض غيثاً
ويدفعها إلى النصر الشهيد

وترمي النار بالمِقلاع جهراً
وصخرُ الطفل في الهيجا عتيد

وتقتلع اليهودَ بغير رفق
فهل يُجدي الترفق أو يفيد؟

وكم ضحّتْ بما ملكتْ يداها
وإن العفّ بالغالي يجود

فبالأرواح جاهدتِ الأعادي
وللجنات داعبها الخلود

وبالأموال جادتْ دون حِرص
فنعم البذلُ صدقاً والجهود

وبالأوغادِ أنزلتِ الرزايا
وهذي لا يُحيط بها القصيد

لبيدَ الأمس فانصح مَن تعامَوْا
عن الذكرى ، فكم للخير نودوا

فأعلمْهم بما لاقيت منا
وأفهمهم نهاية مَن يكِيد

يبوءُ السحرُ بالسوآى ، ويُرمى
ويُقصيه القراْن فلا يعود

وتنتحرُ المَكائدُ في لظاها
ويَلطف بالمخاليق الودود

وتندحر الدسائسُ في أساها
ويَهدم دُورَ مَن مكروا الجُحود

وتحرق نارُ مَن حقدوا قراهم
وعند الله في الأخرى مَزيد

هو الإسلام لا يُعلى عليهِ
وكيف يذل هامته العبيد؟

فقل لبنيكَ يا قومي استبينوا
فبأسُ (محمدٍ) بأسٌ شديد

وحربُ السلم ليست كأس خمر
فيشربها النديمُ ، ويستزيد

وليست حفلة في جوفِ نادٍ
بها قيثارة تهذي وَعُود

وليست ندوة ضمّتْ سُكارى
وتسقيها الخنا في الليل غِيد

وليست مَسبَحاً يُغري البرايا
تباعُ به المفاتنُ والنهود

وليستْ مَسرحاً تقتاتُ فيهِ
بأعراض بيعتْ بالبَخس خود

وليستْ ملعباً يجري عليه
بحَدّ سيوفنا (الماتشُ) التليد

وليستْ مَرقصاً يحوي الجواري
لكي تُرمَى على الغِيد الوُرود

وليستْ فندقاً يأوي إليهِ
عبيدُ اللهو حتى يستفيدوا

وحربُ السِلم ليستْ نهرَ خير
ليحلوَ للمغاوير الوُرود

ولكن حربُه نارٌ عليكم
وموتٌ يا جماعتنا أكيد

وحربُ السِلم - كلا – لا تُداجي
وإن رجالها في البأس صِيد

سَبقناكم ، فجرّبنا لظاها
فأحرقتِ المدائنُ والكبود

ألا اعتبروا بمن سَبقوا إليها
ألا ادّكِروا بما حصدتْ ثمود

وتاريخ الأوئل غيرُ خافٍ
ويدرسُه المُغالِط والرشيد

نصحتُ ، وأنتمُ للنصح أهلٌ
فحربُ السلم ينصرُها المَجيد

فكيف تحاربون الله جهراً؟
ألا كُفوا ، فذا الرأيُ السديد

سَلوا التاريخ كم جيلاً خسرتم؟
وتشهدُ بالذي أحكي الجدود

لبيدُ كفاك ، بعضُ النصح يكفي
وينتصحُ الذي النصحَ يُريد

فدعهم يشربون الموت شرباً
فهُم – والله – ذبانٌ ودود

كما قد خاب سحرك ذات يوم
فسوف يخيبُ ما حاك اليهود

وسوف تدورُ دائرة المنايا
عليكم ، ثم ينتصرُ السُجُود

ولكنْ جولة تهدي لأخرى
وبعدَ نِزالنا نصرٌ سَعيد

وموتانا إلى جناتِ عدن
وقتلاكُم إلى النار الوقود

© 2024 - موقع الشعر