رسالة إلى بَلعام بن باعوراء - أحمد علي سليمان

يا أسيرَ الكِبر ، يا ذا الداعية
جرّدِ السيف ، ومزقْ زاديهْ

هادن الشيطان ، وامدحْ فسقه
واسكُب الآيات فوق الهاوية

قد عهدناك الشِّهاب المرتجى
في الدياجي ، والرياح العاتية

قد فرحنا أن فينا جهبذاً
ليس يَخشى ضربةً ، أو داهية

قد رأينا فيك خيراً يُبتغى
ولمسنا فيك بأس الداعية

واستمعنا منك حقاً ساطعاً
في جحيم المُغريات الواهية

وانتشينا فوق نُور الملتقى
فتلاقينا بروح صافية

وتمنيتُ سُروري بينكم
ثم خاب الظن ، يا للآصية!

أنت ضَيعت إبائي بالهوى
وذبحت القلب ذبح الماشية

في مساءٍ باهتٍ ، مزقتني
يا صديقي بالدعاوى الغاوية

بِتُ من أفعالكم رهن الأسى
واعترت نفسي خُطُوبٌ داجية

واحتواني المَوجُ في هذى الدنا
موجُ غدر في ظُرُوف طاغية

ذقتُ من جُل البرايا حفنة
مِن ثمار الغدر تلك السافية

ذُقتُ من أفعال خلي حُرقة
بددتْ فيَّ اللحون الضاوية

إنني صَمَّمت أنْ لا مُلتقى
بين ثعبان ، وروح عانية

إنني أقَسمتُ أن المنتهِيَ
عند ربي في حديثِ الغاشية

فاستريحوا من مُحاباة الورى
مِن تغني قينةٍ أو غانية

يا ابن أُمي: عانق الأعداء لا
تنتظرْ مني صُعًود الرابية

لا تظُن القلب صخراً في الحشا
إن قلبي من خلايا دامية

لا تفكرْ فيّ بعض لحيظةٍ
لا تضيع في التجني ثانية

لستَ مِني ، لستُ منكم ، إنني
تُبتُ عن حُب الذئاب الباغية

إن ربي قد نهِيَ عن حُبكم
ودليلي واضحٌ في (الجاثية)

غيرَ أنى قد زعمت اللام في
آي ربي غير لام الناهية

تلك زوجي ما رحمتم ضعفها
لم تكن في عُرفكم لو جارية

والليالي شاهَداتٌ غدرَكُم
بِئس غًدرٌ! بل وبئس الحاشية!

يا ابن أُمي ، لو سألت الناس لن
تلقني إلا شُكوكاً خاوية

فالتمسْ عند الأعادي عزتي
وتظاهرْ بالدعاوى الثاوية

ليس يُجدي الحقُّ شيئاً عندكم
إنما بُهْمٌ تدير الساقية

يا ابن أُمي: أغمضِ العين ، ومُرْ
لا تجادل عن أمور بادية

أطبق الأجفان ، واجترّ الريا
لا تُسائلني - هنا - عن حاليه

أنتَ بالفتنة أشعلتَ اللظى
مُستعيناً بالأعادي الضارية

أنت صُغت الغدر شوكاً في الحشا
أنت كَسَّرت الصُلُوع الحانية

هل حلالٌ ما فعلتُم؟ صارحوا
إنما تُردي اللئيمَ القاضية

والدنايا ليس يَرضى فعلها
غيرُ غِر مُستريب الناصية

إنني حَصنتُ نَفسي بالهُدى
وأرى في الناس رُوحي سامية

قُلتُ فيهم كل حق بيِّن
لم تُخفني زمجراتُ الطاغية

في قطيع مُعرضٍ قُلتُ الهُدى
لم أُجرّحْ بالحُرُوف النابية

لم يكن صدقاً قطيعاً عاقلاً
ليس يَسعى للمُرُوج العالية

في حضيض الأرض يَلهو دائماً
ليس يحيا في الروابي الشادية

لا تُطلْ عنهُ الجدالَ ، إنه
يَستبيح العِرض عِرض الداعية

يستحلّ الدمّ في شريانه
يستبيحُ قُوته والآنية

وحمير أتقنت حبك الهرا
ثم باتت في أذاها جاسية

باليد الشَّلاَّء تزجي رفسها
قُبحَت تلك الحَميرُ الجَافية

ليس عند الحُمر فرقٌ لحظةً
بين من يهذي بدعوى هاذية

ليضل الناس عن عمدٍ وبي
ن الذي يَدعو برُوح هادية

يا رفيق الدرب ، هل تبكي الحمى
كيف هذي الدُّور باتت بالية؟

بات يشكو الغدرُ من إنسانها
باتت الأحقادُ ملء البادية

بل وملء الأرض - كل الأرض في
حاضراتٍ ، أو عُيُون جارية

هل تريد الصحوةُ الشماءُ أن
تقلع الضُلال ، تمحو الطاغية؟

طالما الأحقاد تغشى سُوحها
لن ترى نصراً بأدنى زاوية

إنما النَّصر يواتي عندما
يُنصرُ المولى برُوح راضية

يا صديقي فاعتزل كُل الغُثا
تُمسِ في عز منيع الناحية

كُلُّهُ يَنساقُ في درب الهَوَى
إنما نفسي بهذا دارِيَة

ليسَ يَعنيهم عُلُوّ شرعةٍ
قدْرُ ما يَرجون دُنيا حانية

إن تردَيْنا ببلوى كربنا
واعترتْنا نائباتٌ قاسية

لن نرى عزاً يُقوّي شأننا
ذاك أن القوم صاغوا الداهية

وأراني لستُ مِنهمُ ساعةً
لم أُطوّع دين ربي ثانية

تاهت النفسُ ملياً عندما
لم تجد أذناً لِحق صاغية

واشتكى الشعرُ المُعَنى كُربةً
فمحا الأضراب ، ثم القافية

في قرانا راح يختالُ الخنا
لم يُفارقْ في البيادي ضاحية

ثم بات الظُّلمُ سيفاً فوقنا
وضبوعاً في قرانا عاوية

هذه الأوضاعُ ليست تُبتغى
غيّرُوها قبل بدء الهاوية

كيف قومِي عايشوها حِقبةً
واستساغوا كُل بَلوَى خافية؟

ليت شِعري ، كيف حاكوا حتفهم؟
كيف تاقوا للسموم الحارية؟

ويح قَومي من عذاب واقع
لا يحابي مَن بَغى في الفانية

© 2024 - موقع الشعر