تعد اللغة الأفستائية التي کُتب بها کتابُ الأفستا وسُمّيت باسمه،إحدی اللغات الإيرانية الشرقيّة المهمة، ولها صلة قرابة باللغات الآريّةکاللغة السَنسِکريتيّة والفارسيّة القديمة، بيد أننا لا نعرفُ معرفةً تامةزمنَ نشأتها وکمالها وکذلک زمن زوالها.وبما أن اللغة هي أساس الجمال في العمل الإبداعي کما يقول الناقدُالأدبي العربي الأستاذ عبدالملک مرتاض، فقد يری بعضُ المؤرخين أناللغة الفارسيّة القديمة، طوت في سيرها، ثلاث مراحلَ متتالية کانتفي الأولی التی امتدت من العام 559 الی 330 قبل الميلاد، تُنحت علیالصخور بينما کانت في الثانية تُکتب علی اللافتات، أمّا في الحقبة الثالثةفقد تزينت اللغة الفارسيّة بالأدب الأفستائي الذي يُعد الأدب الأعرق لدیالإيرانيين، وقد مثّل الادبَ الفارسيَ خير تمثيل عبر کتابه الأفستا الذی زخربالأساطير والقصص والروايات التی جادت بها القريحة الأدبية الإيرانيّة قبل الإسلام.وشاعت اللغة الفارسيّة القديمة - التی عرفت باللغة الأفستائيّة- في العصرينالميدي والإخميني،وکانت تُکتب بالخط المسماري حيث ازدانت بها اللوحاتالحجرية والمِسلات والأواني وما خلّفه الإخمينيون من کتابات ونقوش علیصخور بيستون في محافظة کرمانشاه وکذلک في محافظات همدانوخوزستان(الأهواز) وفارس وحتی بلاد مصر.أما الخط الأفستائي فقد ارتسم علی جميع الألواح الحجرّية التی بقيتللإيرانييّن ارثاً حضارياً عظيماً من أجدادهم الأقدمين في عصورهم الزاهية.وتعود جذور الخط الأفستائي إلی الخطوط السامّية التي اقتُبست في عهدالإمبراطوريّة الميدّية من العلامات المسمارّية السَّاميّةِ قبلَ مولد سيدناالمسيح عليه السلام بمئات السنين. ولا يخفی علی القارئ الكريم أنظهور الدولة الميدّية- رغم قِصَرِ عمرِها- يعد انعطافة في تاريخ العالم القديم،ذلک أن الآرييّن استطاعوا للمرة الأولی أن يزلزلوا سلطان الأقوام الساميّةفي آسيا الغربيّة ويمهّدوا الأرض لبسط حکمهم علی المعمورة.وقد قلد الميديون، الآشوريين ( أي العاشوريين) في إدارة شؤون الحکمفي دولتهم الفتيّة وضخموا المراسيم البلاطيّة والتشريفات الملکيّة وأکثروامن الترف والبذح في قصورهم. ويَعتقد بعض المؤرخين أن اللغة الميديّة هيأم اللغة الکردّية المتداولة اليوم بين الکرد القاطنين في بلدان الشرق الاوسط.إننا نقرؤا في الأدب الأفستائي قصصاً وروايات وأساطير يدور في جميعها الصراعُبين الخير والشر والکفاح من أجل التخلّص من براثن الشر.في الأفستا، نتعرّف إلی البطل وضدّ البطل إی البطولة ونقيضها، لأن أساس کلقصة يقوم علی الصراع بين القوی الخيرة والشريرة فتارة تتصارع النوايا الخيرةوالشريرة وتارة أخری يدخلُ ساحة النزال رجالٌ أشداءُ أقوياءُ يتصارعون دفاعاًعن تلک النوايا الخيرة والشريرة.وفي هذا الصراع نری غلبة الشر حيناً وانتصارَ الخير أحياناً أخری. ويتحوّل في مثلهذه القصص والروايات، البطلُ إلی نقيضه أحياناً کما يتحوّل نقيضه إلی بطل.وليست قصة حياة کل انسان وکل شعب وأمة- من منظار الأفستا- سوی هذاالصراع بين الأفکار الطيبة والخبيثة ولو لم يکن هذا الصراعُ بين الأفکار البناءةوالهدامة لما کان للحياة الدنيا من طعم في أهلها.کتاب الأفستا يقسم الخلائق إلى شريرة وخيّرة وينظر إلى الشريرة منها علىأنها الشيطان، ويحسب الجهاد في سبيل القضاء عليها فرضاً من فروض العبادةوعملاً من أعمال الطاعة والتقرب إلى المعبود. كما يصنف الأفستا البشريةَ إلىصنفين، صنف من أتباع الدين الحق وصنف آخر من أتباع الباطل. لذلك ينظر إلىأصحاب الدين الزرادشتي على أنهم أهل الحق وما سواهم فهم أصحاب الباطلومن عبدة الشيطان ولامناصَ من مقارعتهم وإبادتهم أينما وجدوا.إن محاربة عبدة الشيطان في معتقد الأفستا هي في الحقيقة محاربة الشيطاننفسه وإن القضاء عليهم عمل يُرادُ منه مرضاة الرب "أهورا مزدا" الذي يبارك كلَّعملٍ يسعى إلى الفتك بأتباع الشيطان وعبدته.ويعتقد الأفستا أن الحرب التي يخوضها عبدة الرحمن ضد أتباع الشيطان لاتنتهيإلا بهزيمة الشيطان وأصحابه الأشرار.کل إنسان بنظر الأدب الأفستائي، يميل في حياته إلی جانب الخير حيناً وإلی الشرحيناً آخر أو يتضاءل فيه جانب ويطغی فيه جانب آخر ولربما تعادل الجانبان في الإنسانغير أنهما لا ينعدمان فيه ابداً.إذن اللغة الأفستائية،هي إحدى اللغات الإيرانية الشرقيّة ذات الصلة باللغات الآريّة کاللغةالسَنسِکريتيّة والفارسيّة القديمة، وأما خطها فتعود جذوره إلی الخطوط السَّاميَّة،كما أنالحياة في معتقد الأفستا ، صراع بين قوى الخير والشر وحرب شعواء بين عبدة الرحمنوأتباع الشيطان تنتهي في آخر المطاف بانتصار الحق على الباطل.* * *
عناوين مشابه
أحدث إضافات الديوان
إضافة تعليق - (( user.name )) - خروج
ادارة موقع الشعر (( comment.message.user.name )) (( comment.message.user.name ))
(( comment.message.text ))
لا يوجد تعليقات.