المُلا فاضل السَّكراني شاعرٌ عبقريٌّ كتبَ الشعرَ وهو في العاشرةِ من عمرِهِومازال يَكتبُه حتى ذاعَ صِيتُه بينَ الناسِ وأصبحَ فيه ناراً على عَلَمٍ.ولُقّبَ ب (أبو الأبوذية) لِبراعتِه في كتابةِ هذا الضَرْبِ من الشِعْر.المُلا فاضلُ شاعرٌ لُغَوِيٌّ، يَعِي ما يَكتُبُ ويَكتُبُ ما يَعِيه مِن الكَلِم الطّيبِ.هو صَديقُ مفرداتِه الشعريةِ ورفيقُها ، يَعرِفُها وتَعرِفُه فلايَستَعمِلُ في شِعرِهِ مفردةًإلّا وقد عايَشها وعايَش بيئتَها وعَرفَها حقَّ المعرفة، فما إنْ تسألَهُ عن مفردةٍ وَرَدت في شِعرِهِإلّا وأجابك بما يُروي عطشَك إليها.المُلا فاضل دقيقٌ في وصفِه الأشياءَ، يَصفُ الخمرةَ وكأنّهُ عاقَرها ويتغزلُ بالمرأةِ وكأنّه زيرُ نساء،بيدَ أنَّ القاصي يَعلمُ قبلَ الداني أنّه عاش عفيفاً بعيداً عن كلِّ ما يَحطُّ من كرامةِ الإنسانِ،مُتجنّباً مُصاحبةَ السُّفهاء والجُهلاء. فنراهُ يقول:قبيحه افعال بعض الناس عفنهاللمِسها بيوم مسها الجهل عفنهيخل عن صحبة المايحس عفنهو دخلنه انصاحب البيهم حميهوله أيضا:ما ظن الجرح مهضوم مسلاكصبع، يلي اتخذت الجهل مسلاكأسلك لاتظن ويّاك، مسلاكالسلوك اويه الغبي يصعب عليه* * *حديثُ المُلا غايةٌ في الرَّوعةِ، يتحدّثُ إليكَ فيُعجبُكَ حَديثُه، ويُصغي إليكفيُشجّعُك جميلُ إصغائه على مواصلةِ الكلام. لحديثهِ نَغَمٌ يُغازلُ المشاعرَولصوتِهِ رَنينٌ يُداعبُ الأسماعَ ولنظراتِه جاذبيةٌ تحثُّ المتكلمَ أوالمستمعَعلى التحدّثِ والإستماع.تَراهُ في المَجالسِ متحدثاً مُتفنناً يَحمِلُك كلامُه الشيّقُ بينَ الحينِ والآخرِإلى زاويةٍ من زوايا عالمِنا الرَّحبِ، وينقُلُكَ من زمانٍ إلى زمانٍ ومن مكانٍإلى مكانٍ آخرَ لم يكن يَخطرُ لكَ بِبالٍ؛ فتارةً يَضعُك على أعتابِ الربيعِ ورياضهِالغَنّاءِ وأنتَ في قلبِ الخريفِ الكئيبِ وبينَ أوراقِه الصفراء وتارة يَرحَلُ بكَ إلىالشتاءِ القارسِ وأنتَ في الصيفِ المُلتهبِ ناراً. وطوراً يَعودُ بك إلى سالفِ الزمانِوأساطيرِ أهلِهِ الأوّلينَ وطوراً آخرَ يُبحرُ بكَ نحوَ جزرِ الواقِ واق وما أدراك ماجزُرُ الواق واق.وكلُّ هذه الأسفارِ والرّحلاتِ تتمُّ عبرَ القصص والسِّيَرِ والأمثالِ والحِكَمِ ولاسيما الأشعارَالتي حَفِظَها المُلا من الأدبين العربي والفارسي طوالَ أيّامِ حياته. فإنه كانَ حافظاًلأشعارِ الفُرسِ والعَرَبِ قديمِها وحديثِها يَطرَبُ لسماعِ الشعرِ ويَقفُ عندَ جَميلِه يَحفظُهويَتغنّى به ويُشجعُ مَن يَأتيه بكل ما هو جديدٌ من الأدبينِ العربي والفارسي.المُلا فاضل السَّكراني هو ابنُ الفلاحيةِ البارِّ، وُلِدَ فيها وتَرَعْرعَ في رُبُوعِها الخَضراءِ،عطش فَتروّى من لَبنِ خيرها وجاع فتغذّى من شَهْدِ حنانِها المُتقاطرِ ونَعسَ فَنامَتحت ظِلالِ نخيلها؛ أَحَبَّها فَجرى حبُّها في قلبِه ولسانِه ودمائِه وأَحَبَّتْهُ فَسَرىحبُّه في أرضِها ومائِها وسمائِها.قال المُلا في حُبِّ مَدينتِه الفَلاحيّة:أحبچ يالغفيت بحضنچ الدافي وغطاي الحاف عتبارچأحب امعارچ اليحچي بخبر حمده ويملها البلوحل بارچأحب فتنه وصريچ اچعاب اخو فتنه اليزوغل چان ويعارچاحب أمسچ وحب يومچ وحب شمسچ اليشرگ نورها بدارچاحبح گهوة سخى مضيفچ الرن فنجانها وشربوه سمارچاحب ثوارچ الثاروا وحبها الهلهلت لفعال ثوارچوآنه ازغير احب كاسچ البي من در لبن خيرچ تروينيوآنه ازغير احب شهدچ اليتگاطر حنان وبي تغذينيعشت بربوعچ الخضره هواچ مريحني ومايچ مربّينيترابي ترابچ الغالي وطينچ طين جدّي ووالدي وطينيمن اموت اتوسّد الحافچ الغيرچ ما احب واحد يوديني* * *أَحَبَّ المُلا فاضل أهلَ مدينتِه وأَحبّوه فقاسَمَهم أفراحَهم وأتراحَهمومضى يَكنُّ في قلبِه الكبيرِ الإحترامَ والتقديرَ للناسِ صغاراً وكباراً وعرباً وغيرَ عرب.لايَجدُ الباحثُ في ديوانِ المُلا فاضل أثراً لمفرداتِ العصبيةِ القوميةِ والطائفية،حيثُ لم تَشهد له النَّزعاتُ القوميةُ والنَّعراتُ الطائفيةُ موطئَ قَدَمٍ في مَجَاهِلِها المُهلكة،فهو لم يأتِ ليكونَ لقومٍ دون قومٍ أو لفئةٍ دون أخرى ، وهل تَبعثُ الشمسُ خيوطَ أشعتهِالأناسٍ دونَ غيرِهم أو هل يَرضى القمرُ أن يُطِلَّ على قومٍ دونَ آخرين؟!هدأةُ الليلِ التي طالما اختلى بها الشاعرُ لرسمِ أحلى كلماتِه وقصائِدهِ تَعرِفُ أكثرَ مِن غيرِهاأنه لم يَكُن في يومٍ من الأيامِ حتى في ساعاتِ خلواتِه، شاعراً ذا نَزعةٍ قوميةٍ أو نَعرةٍ طائفيةٍ،فالحُبُّ المُتلاطم في قلبه ، كالبحرِ يبعثُ للقريبِ جواهرا جوداً ويُرسلُ للبعيدِ سحائبا.أوليس هو القائل:ابچف حب دوم خل ينتثر حبلكوخلّي بكل گلب ينزرع حبلكبالگطعوا دخل يتصل حبلكولو مسوك من سابق بَذيّه* * *المُلا فاضل السَّكراني شاعرٌ بَشِرٌ قلما تُغادرُ البَشاشةُ مُحيّاهَ وقد تَجلّى فيه الحديثُ النَّبويُّالشريفُ القائلُ: "المؤمنُ بِشْرُهُ في وَجْهِهِ وحُزْنُهُ في قلبِهِ"فالبَشاشة عند المُلا إنْ كانَ ولابُدَّ، خيرٌ من سَخاءِ اليَدِ إيماناً منه بالقولِ العَربي المأثور:" بشاشةُ الوجِهِ خيرٌ من سَخاءِ اليد" فَنَجِدُهُ يذمُّ العبسَ ويُساوي بَينَه وبينَ اللؤمِ في الدَّناءةِويُثني على البِشْرِ والبَشاشة فما أروعَهُ حينَ يقول:اتخسه وجوه العِسِم ما يوم بشّيناششفت غير الطباع الغبر بشّيناللئيم يريد يسگي الزرع بشينالزرع يعله بسحاب الهطل ميهوله أيضا:بالعز يخل خل تعله درنّهودخل ينغسل بالغيره درنّهالضيفك هاون مضيفك درنّهبسخه وچلمة هله وبسمه وتحيه* * *وقد جاءت قصيدتي المسماة "الشعر خلد" التي أنشدتُها في هذا الشاعرِ الكبيرِعام 1996 للميلاد وطبعتُها في مجموعتي الشعرية الأولى التي حَمَلت عنوانَ"بشائر الصباح"، جاءت ترجماناً صادقاً لِسَجايا المُلا وخيرَ شاهدٍ على ما تحلّىبه مِن صفاتٍ إنسانيةٍ ساميةٍ فَقَدَ قلتُ فيها:الشعرُ خُلْدٌ والأديبُ مُخَلّدُفي كلِّ عصرٍ عُمرُهُ يَتجدَّدُوتَظلُّ شعلتُه تَشعُّ حضارةًعبرَ الدَّهورِ ونارُها لاتَخمَدُوفَمُ الزّمانِ مُرّددٌ ذِكرَ الذيفمُهُ بِحُبِّ المَكرُماتِ مُرَدِّدُجَدّي أراك على الزمانِ مخلداًمادامَ شِعرُك نجمُه يتوقّدُيا ساكناً قلبَ الجميعِ بشعرِهبالرغمِ مِن غدرِ الزمانِ تُخَلَّدُلك صولةٌ في الشعرِ أيةُ صولةٍفَزِعاً غدا منها المُجيدُ الأصيدُلك سمعةٌ فاقت جميعَ لداتِهاأمست تُدوّي في البِلادِ وتَرعَدُأنشأتِ شعراً للبريةِ جنّةلا ماعليها للخريفِ تَمَرُّدُأوجدتَ مزرعةً لشعرٍ شاعرٍفيها النصائحُ والمواعظُ تُحصدُحلّت بيوتُكَ كُلَّ بيتٍ ماجدٍوقصائدٌ لكَ كلَّ أرضٍ تُنشدُسُعدايَ أنّي سِبطُهُ وحَفيدُهُمَن مَالَهُ في الشعرِ نِدٌّ يوجدُيافاضلاً شَهِدَ الجميعُ بفضلِهشَهِدَ الأحبةُ والخُصُومُ الحُسَّدُديوانُك المِعطاءُ خيرُ غدٍ لهوسِواهُ حاشا أن يكونَ له غَدُإنّي أرى الأجيالَ ملءَ طريقِهوعيونُها إقبالَهُ تَتَرصَّدُأنتَ البليغُ وغيرُشخصكَ ألكنٌفِضضٌ سواهُ وأنتَ شعرُكَ عَسجدُيا مَن أعدتَ كرامةَ اللغةَ التيداسُوا كرامتَها العداةُ ومَرَّدُواوحَفِظتَ حُرمتهَا وَصُنتَ ذِمارَهاودَفعتَ عنها مَن لها يَتوعّدُولها أَصغتَ مِن الشعورِ قلائداًفَغَدَتْ بها مَزهُوّة تَتَقلّدُيا فاضلَ الفُضلاءِ في ميدانِهاهيهاتَ هيهاتَ الفضائلُ تُجْحدُلكَ وِقفةٌ في الجُودِ أمسى حاتِمٌربُّ النَّدي يُثني لها ويُمجّدُفأراكَ للمُحتاجِ في يومِ السَّخاءِ تَمُدُّ عَشْراً أنتَ إذ مُدّتْ يدُسَكْرانُ في كفِّ وأنتَ بمثِلهاأنتَ الجميعُ وكُلُّهم لك واحِدُمجداً لعهدٍ أنتَ فيه حُسامُناتبّاً لعهدٍ فيه منّا تُجرَدُيا خيرَ مَن سادَ الجميعَ بِطيِبِهأنتَ العميدُ وأنتَ أنت السيّدُيا خالداً رُغمَ المماتِ بشِعرِهواللهِ مالي غيرُ حبِّكَ مَقصدُخُذني إليكَ إلى العَلاءِ إلى السَّمايَزدادُ شِعري رِفعةً يا فَرقَدُفلإسمكَ النَّامي، بِسمعي رِنّةٌولِرسْمِك السَّامي، بِعيني مشهدُولِشِعرِكَ الراقي، بقلبي منزلٌولذِكْرِك الباقي، لِلِسْنِي مَوْرِدُيا مَن خليجُ المَجدِ رَتّلَ شِعْرَهُوكذاكَ رتّلهُ العراقُ الأمجدُإنّي بِشعري إنْ أكُن مُتمكّناًفإليكَ هذا الفَضل كُلّهُ عائدُديوانُ شعرِك سَلوتي في وَحدتيوإليه عندَ تَلجْلُجي أتسنّدُفي واحةِ الودِ العفيفِ قصائدييا ما بوِدّكَ قد مَضت تَتغرّدُكم ليلةٍ في حبّك العُذري قدأحييتُها لصباحِها أتَهجَّدُحاولتُ أنْ ألقى لحبّك شاطئاًوأحُدّهُ حاولتُ لايَتحدّدُجمّعتُ أعدادَ الهوى وضَربتهالأَعُدَّهُ لكنّه لا يُعدَدُيَزدادُ حبُّك كلَّ يومٍ فسحةًوإقامةٌ له في الفؤادِ تُمدّدُأهواكَ يا مَن عن زَخارَفها الدُّناوبَريقِها الفَتّانِ أنك زاهدُوهواكَ يَحيا في الفؤادِ معزّزاولأجلِه وله أموتُ وأولدُإن كانَ يَفدِيكَ الكريمُ بمالِهأفديكَ بالنفسِ النفيسةِ يا جَدُبُوركتَ مِن رجلٍ عصامٌ جَدُّهُعمراً سَعى فأتاهُ مجدٌ ماجدُفَبَخٍ لِمَن باتَ الزمانُ يَجُرُّهُنحوَ الحَضيضِ وللذُّرى هُو يَصعُدُحتّى ارتقى وعلا فَحقَّ لِشِعرِهِبِهوى فُؤادِ بلادِه يَتَفَرَّدُ* * *في يوم السبت 15/1/2014 م التحق شاعرُنا الكبير المُلا فاضل السَّكراني،بالرفيقِ الأعلى تاركاً وراءَهُ شعراً سَكنَ قلوبَ مُحبّيه على اختلافِ انتماءاتِهمومستوياتِهم الفكريةِ والثقافية. وقد حَضرَ جَنَازَتَهُ الآلافُ من عُشّاقِ الشِعرِ والأدبِوالمعرفةِ، فَقَد كانوا – بحقٍّ - خيرَ الحاضرين وخيرَ المُشيعين وكذلك كانوا خيرَالمُودّعينَ لفاضِلهم الشّاعرِ وشاعرِهم الفاضلِ. وقد ووُري جثمانُ شاعرِنا الكبيرِالثَّرى في " حديقة الشعراء" الواقعة عند مَدخلِ مدينةِ الفَلاحيّة (شادكان) بمحافظةخوزستانَ جنوب غربِ إيرانَ الإسلامية، وذلك في يوم الإثنين 20/1/2014 للميلاد.تَغمّده اللهُ بواسعِ رحمتِه وأسكنَه فسيحَ جنّاتِه وألهمَ مُحبّيهِ ومُريديِهِ والسائرينَعلى نَهجِه، الصبرَ والسُّلوانَ إنه سميعٌ مُجيب.فؤاد العاشوري السكراني10/30/2014م.
عناوين مشابه
أحدث إضافات الديوان
إضافة تعليق - (( user.name )) - خروج
ادارة موقع الشعر (( comment.message.user.name )) (( comment.message.user.name ))
(( comment.message.text ))
لا يوجد تعليقات.