فصيح "تراتيل فقد" - أحمد بن محمد حنّان

يُعظِّمُ اللهُ أجرًا أينما وَرَدَا
وَيَرْتُقُ الجرحَ لطفًا كلَّما انجَرَدَا

فكمْ حبيبٍ فقدناهُ بدنيتِنا
يأبى الفِراقَ ويَأوي الحُلْمَ والرَّشَدَا ؟

هَلْ كانَ للموتِ فيهمْ أَيُّمَا خِطَطٍ
أو كانَ فيهمْ يَعُدُّ المالَ والوَلَدَا ؟

أو انتقى من شِرارِ القومِ أَجْرَأَهمْ
أو اصطفى من خيارِ الناسِ والتَحَدَا ؟

ياعاذلَ الموتِ إنَّ الموتَ أُحْجِيةٌ
عند الإلهِ فأخفى العذْرَ والأمَدَا

وكُلُّنا منْ ترابِ الأرضِ خِلْقَتُنا
وكُلُّنا عائِدُوها مَنْ يكونُ غَدَا ؟!

شاءَ الحكيمُ وماشاءتْ ملامِحُنا
مشيئةً في مُناها البؤسُ والسُّعَدَا

فالحمدُ للهِ والأقدارُ ماضِيةٌ
خيرًا أتَتْ أوْ بِشرٍّ يجلبُ الكَبَدَا

يانسْلَ كندةَ ما للأرضِ في فَرَحٍ
تكادُ مِنْ سَعْدِها تُهْدي السَّما رَغَدَا ؟!

كأنَّكَ اليومَ ابنٌ جاءَ مِنْ سَفَرٍ
وطوَّقتْهُ تخافُ البعْدَ والرَّصَدَا

جاءوا وفي العينِ ذكرى لستُ أُرْهِقُها
على تراتيلِ فقْدٍ يُتعبُ الجَسَدَا

عزَّوا العُمُومَ وعزَّوا النَّجْلَ يا أبتي
فَمَنْ لصامطةٍ في حزْنِها قَعَدَا ؟!

يُكَفْكِفُ الدَّمْعَ عَنْ وجْنَاتِ طُرْقَتِها
ويشتري الفرْحَ ينفخُ أنْسُهُ الرَّمَدَا

ومَنْ إلى الدارِ ياربِّي ومجلِسِهِ
بعْدَ الفراغِ يُقِيمُ الرُّوحَ والعَمَدَا ؟!

كأنني مِنْ بلالٍ يومَ صخْرَتِهِ
أصيحُ في صُمِّها عذرًا فلا أَحَدَا

قَدْ عَاشَ أسطورةٌ نحيا عجائِبَها
إلى المماتِ وذكْرٍ أذهَلَ الخَلَدَا

ولستُ وحدي أباهِي فيهِ أزْمِنَتي
هُنَاكَ صَحْبٌ وجيرانٌ ومَنْ حَقَدَا

جميعُهُمْ أردفوني المجْدَ في سِعَةٍ
وتوَّجُوني بتاجٍ يُنْزِلُ البَرَدَا

وأرْهَصُوا أَنْ لنَا الخيراتِ في خَلَفٍ
لا شكَّ أنَّا كُتِبنا بالرَّجَا شُهَدَا

ولستُ أجْحَدُ مالأشبالُ تزْأَرُهُ
ولا عرينًا يُنادى فِيهِ وا أَسَدَى

فرحمةٌ مِنْ رحيمٍ دعوتِي لأبي
تَكْسُوهُ في قَبْرهِ ماضَمَّهُ أَبَدَا

© 2025 - موقع الشعر