قصيدة (تاج الكمال)، رائعة الشاعر صالح عبده اسماعيل الآنسي - صالح عبده إسماعيل الآنسي

سِر يا قَرِيضُ بعِطرِ الذِّكرِ مُنطَلِقَا
‏وامطِر أريجَكَ مِن سُحبِ الثَّنَا غَدَقَا

‏امضِ، ولا تنثَنِ خوفًا ولا خَجَلًا
‏فاليومَ لن تشتكي عَيَّا ولا رَهَقَا

‏أمطِر، فتِلكَ التي تَنْوِي الهُطُولَ لَهَا
‏ما شامَها الشَّعرُ إلَّا وانتَشَى عَبَقَا

‏تاجُ الكَمَالِ التي لن ألتَقِي امرَأةً
‏تعلُو على سَمتِها في ناظِري أُفُقَا

‏إِنْ تَقطَعِ الأرضَ كُلَّ العُمرِ مُرتَحِلًا
‏في البَرِ والبحرِ، فوقَ الغَيمِ مُلتَحِقَا

‏أو تَلتَمِسْ سُلَّماً نحوَ السَّمَا صَعُدًا
‏أو تَتَّخِذ سَالِكًا جوفَ الثَّرَى نَفَقَا

‏ما الظَّنُّ أنَّ على ظهرِ البَسِيطَةِ قد
‏تلقى الشَّبِيهَ لَهَا، مَن طابقَتْ نَسَقَا

‏أشبَاهُهَا الأربَعِينُ الكُمْلُ لا أحَدٌ
‏مِنهُنَّ تعدِلُهَا طُهرًا وعذبَ نَقَا

‏عادِيَّةٌ مِن عَوَامِ النَّاسِ تحسَبُها
‏حَتَّى تَجِدها شِهَابًا في السَّماءِ رَقَى

‏تُغضِي حَيَاءً، وتَأبى مِن تَواضُعِها
‏أنْ يعلمَ النَّاسُ فضلًا باسمِها التَصَقَا

‏تَخفَى عليهِمْ خَفَا الألطافِ هالَتُها
‏والدُّرُ يُعرَفُ مِن إشعَاعِهِ بَرِقَا

‏مِنَ العَطَاءِ بِلا مَنٍّ، تفِيضُ بِهِ
‏فُضلَى حَوَتْ كُلَّ عِلمٍ فَهمَهُ حَذِقَا

‏قد أُوتِيَتْ مِن بليغِ الكِلمِ ما امتلأتْ
‏بِهِ المعاجِمُ، مِن قامُوسِها اندَفَقَا

‏إنْ حَدَّثَتْ؛ فَأتَتْ باللَّفظِ سامِقَةً
‏عِقدًا مِنَ الدُّرِ واللألاءِ مُتَّسِقَا

‏أو أنشأتْ؛ أدهَشَتْ نثرًا وقافِيَةً
‏أو ألَّفَتْ؛ سَوَّدَتْ مِن عِلمِها الوَرَقَا

‏أو ناقَشَتْ؛ غَلَبَتْ بالرَّأيِ حُجَّتُها
‏أو أمعَنَتْ؛ أبدَتِ العِلَّاتِ والخَرَقَا

‏كأنَّها سِيبَوَيه العصرِ في لُغةٍ
‏تسمُو بِها الضَّادُ مِن تأصيلِها سَمَقَا

‏مِن كُلِّ مَنقَبَةٍ جاءتْ يَبُزُّ بِها
‏ثوبٌ عليها اعتلى، تزهُو بِهِ ألَقَا

‏أدنَاهُ حِلمُ فَؤادٍ رَقَّ خافِقُهُ
‏مِثلَ النَّسِيمِ عليلًا، شَفَّهَا خُلُقَا

‏أعلاهُ رُوحُ مَلَاكٍ شَعَّ جوهَرُهُ
‏كالفَجرِ مِن وَجهِهَا، مِن نُورِهِ اندَلَقَا

‏وَجهٌ جليلٌ على مِرآتِهِ انعَكَسَتْ
‏حُلْوُ الشَّمائِلِ عنها باطِنًا نَطَقَا

‏يزدَادُ إشراقُهُ بينَ الحِجَابِ كَمَا
‏بينَ السَّحَابِ أطَلَّ البدرُ وانبَثَقَا

‏سُبحانَ مَن زانَهُ بالحُسنِ، جاعِلُهُ
‏أُفقًا عليهِ يُرَى الإصباحُ مُنفَلِقَا

‏مِن الضِّياءِ كأنَّ اللهَ أوجَدَها
‏ساقَ المِثَالَ على حُورِ الجِنَانِ سُقَى

‏غُدوَاتُها تنشُرُ الأطيابَ عاطِرَةً
‏رَوحَاتُها تنثُرُ الرَّيحانَ والحَبَقَا

‏ما إنْ على الدَّربِ يمضي مِسكُ خُطوَتِها
‏إلَّا وعَطَّرَتِ الأرجاءَ والطُّرُقَا

‏خُذ أيَّ معنىً جَرَى فِيها تَجِدهُ سَحَا
‏غَيمٍ، تهِيضُ بِهِ مِن ثُقلِهِ وَدَقَا

‏قُلْ إنَّهُ الحقُّ، لا زيفًا، ولا جَدَلًا
‏لا يبتغي فِيهِ زُلفَىً مُنصِفٌ صَدَقَا

‏شعر: ⁧‫صالح عبده اسماعيل الآنسي‬⁩

مناسبة القصيدة

(تاج الكمال) ‏قصيدة كأنها لوحة؛ رسمت أنثى هطلت كحبة لؤلؤٍ سماوية.
© 2024 - موقع الشعر