مأساة سُليمى (محاكاة للشاعرة العامرية) - أحمد علي سليمان

سُليمى أطلتْ بالجَبين المُقطبِ
لتحكيَ مأساة بقلب مُعَذبِ

وتكشفُ أسراراً تنوءُ بحَملها
وتُدلي برأي في الصراحة مُعتِب

وتفضحُ أقواماً تأخرَ فضحُهم
وتجتثُ إرجافاً شديدَ التهيب

وتُزري بألقاب تسامى احترامُها
لأصحابها شأنٌ رَفيعٌ ومَوكب

تقولُ: فجعتِ القلبَ يا ابنة عامر
فما لي وقد فاض الجوى أيُّ مَهرب

نكأتِ جراحي ، فاستحالَ علاجُها
وما طابَ لي في عِيشتي أيُّ مأرب

أنا قصة مَكلومة نصُّها استمى
فما تُليتْ ، أو داعبتْ قلبَ مطرب

أنا من عقود سبعة لست حرة
وداري تُعاني في الدنا كيد أذؤب

وسُوآى ذوي قربايَ أعتى من الردى
وحُضارُ قومي قد أحيطوا بغيب

أنا أشرقتْ شمسي دهوراً تعاقبتْ
ولم تمتحنْ يوماً بمحنة مغرب

أنا مهبط الوحي الجليل تفضلاً
وأرضي حَوَتْ من كل شرع ومَذهب

وفوق ربوعي الرُّسْل عاشوا وبلغوا
وهل فوق تبليغ الهُدى أي مكسب

فلا تُكثري لومي ، فإني كسيرة
فرقي لوجْعَى ، إنما الرفقُ مطلقي

أعاتبُ أعراباً تخلوا ، وأهملوا
وباعوا الإخا ، والخذلُ ليس بطيب

إنْ لم أكنْ منهم فنصري مُحَتمٌ
أنا جارة ضِيمتْ بتدبير أكلب

فهل زاحمَ الخذلانُ أخلاقَ (يعرب)؟
وأين سجايا زيَّنتْ سَمت يَعرب؟

متى كانتِ الأعرابُ يَرضَون ذلهم
ويَلقون أعداءً ببذل التحسُّب؟

متى سَلّمَ الأعرابُ دُوراً مِن الحِمى
لكي يَسلموا مِن بطش عاتٍ ومُرعِب؟

أثمِّنُ شعرَ (العامرية) أفصحتْ
عن الحال باللفظ المَشوق المُحَبب

وأعْلمها أن الديارَ أبية
ومَن يَصطبرْ يُفلحْ ويَنجحْ ويَغلب

وتاريخنا كم فيه يا أختُ مِن أسىً
ومَن يقرأ التاريخ يَرشُدْ ويَطرب

سيعلمُ أن الظلمَ يَحفرُ قبرَه
وإنْ يكُ مَحمياً بأسْدٍ وأعقب

ليَ اللهُ يا أخت الهُدى خيرُ ناصر
ومَن ينصرِ الرحمنُ يَربحْ ويَكسب

وأهدي سلامي للعراق وأهله
وكلِّ هُمامٍ لوذعيِّ وأدرب

مناسبة القصيدة

(أحاكي نص: قفي يا سُليمى للشاعرة العامرية ، لِمَا ألفيتُ فيه من عذوبة نص وجمال فكرة ودقة معالجة للواقع! وللشاعرة العامرية عدة قصائد تتفاءل فيها لأرض الرباط وأهلها بمستقبل عظيم يكون النصر فيه للمؤمنين! وتعود مع النصر الوشيك الكرامة والعزة! وكانت شاعرتُنا العامرية قد استهلت قصيدتها ببكاءٍ على الأطلال لم تقدر عليه وحدها ، فطلبتْ من (سُليمى) أن تشاركها! متأثرة بما حدثَ للديار من قصف همجي بربري غاشم فتقول:- قفي يا سُليمى دون غزة واندبي وهلي دموع العين ، ثم تحسبي وطوفي بدار للكِرام تهدَّمتْ تضمُ رُفاة مِن أبيِّ وأهيب وتجاوزت الشاعرة البكاء على الأطلال ، لتستأنف وصفَ المأساة. وتناولتْ فيما تناولت التخاذل القائم باكية معنا على المجد التليد والأنفة اليعربية والكرامة المُضرية ، وتختم واصفة حالها:- فإني نزفت الدمع من شدة الجوى وما طاب لي نوم ولا طاب مشربي وما ذاك إلا أن مجداً تقوضتْ مبانيه ، أضحى كالأديم المثقب وتالله لا عَودٌ لأمجاد قومنا إذا لم نكن مثلَ دَلاص ومِقضب! وأراها نجحتْ نجاحاً باهراً في محاكاة القصيدة العربية الجاهلية الأولى مستوفية شروطها ، وتفردتْ بجديدٍ هو تشخيص الواقع وتحديد طرق علاجه! وكم تطرب نفسي وتسعد روحي عندما أجد شاعراً أو شاعرة يعيش لقضيةٍ وينذر نفسه وشعره لها ، وينتصر لها مهما كانت التكاليف! وأحسب الشاعرة العامرية من هذا النوع! ولستُ أزكي على الله ربي أحداً! والله تعالى حسيبها ووكيلها ، وهو سبحانه أعلم بها مني! والآن نطالع المحاكاة العامرية!)
© 2024 - موقع الشعر