العشق المهلك (محاكاة للعبيدي) - أحمد علي سليمان

الذئبُ شَدَّتْ أزرَه الأغنامُ
وظهيرُها – في الشدِّ – الاستسلامُ

منحَتْه عن عمدٍ زمامَ قِيادها
وكأنه المُتصرفُ القوَّام

إن شاء فليَطعمْ ويَعزمْ صحبَه
إذ إن أفراد القطيع كِرام

أو شاء باعَ من القطيع أو اشترى
وفق الهوى ، ما في البيوع سَوام

أو شاء ذبَّحَ ، والمُدى مَشحوذة
ويُعينه الجزارُ واللحام

أو شاء جَوَّعَ ، والقطيعُ مُرَحِّبٌ
يُزجي المدائحَ منذ غابَ طعام

أو شاء عطشَ رغم وفرة مائه
فالشربُ - يا غنم القطيع - حرام

أو شاء فليقصفْ حظائرَ أسِّستْ
لتعيشَ داخل سُورها الأغنام

أو شاء هجَّرَها ، وحاز ربوعَها
من بعد أن أفتى له الحاخام

أو شاء شرَّدَ بعضَها متغلباً
وسلاحُه التقتيلُ والإرغام

أو شاء سربلها بأشرس قيدِه
وله - على تقييدها - إجرام

هذي مبادئه ، وذلك شأنه
فعليه – من رب الأنام – السام

هو لا يرى غيرَ الذئاب خلائقاً
فلتسقطِ الأهدافُ والآضام

وإلى هنا فالذئبُ ليس يَعيبُه
ما قد رأى أبداً ، فلا استذمام

لكنما الأغنامُ تعشقُ ذئبَها
كيف استساغتْ؟ بئسَ الاستفهام؟

هل أصبحتْ (ليلى) وذئبٌ (قيسُها)؟
هل بين (ليلى) والوحوش غرام؟

تعساً لعشق لا يُسَلي أهله
بين الأنام ، وخابَ بعدُ هُيام

يا هذه الأغنامُ عِشقكِ مُهلكٌ
أفلا يصدُّكِ عن هواكِ حِمام؟

عِشقُ الذئاب إهانة ومَذلة
وفضيحة يهذي بها اللوام

أزرى بكِ العِشقُ الرذيلُ ، فأقلعي
عما يَشينكِ ، عابكِ الآنام

كيف ارتأيتِ الذئبَ ألطفَ عاشق
وهو الكفورُ تحوطه الآثام؟

أوَما قرأتِ على المَدى تاريخه
إذ خطه بمِداده النهام؟

ذئبٌ إلى سفكِ الدما مُتعطشٌ
جَمُّ المفاسد ، واسمُه بَلعام

ويرى حميراً دونه كل الورى
ذئبٌ تُشكلُ عقله الأوهام

ويشيعُ في الأرض الفسادَ بلا حيا
وعدوُّه - في ذي الدنا - الإسلام

وله جرائمُ لا سبيلَ لعدِّها
مهما رصدتُ تخونني الأرقام

وله هزائمُ أزهقتْ ثرواته
شهدتْ بها الأصقاعُ والآكام

ورفاقه لم يفقهوا كبواته
وكأنهم - في دعمه - أصنام

يا هذه الغنمُ الذئابُ تجمهرتْ
لو كان ذئبٌ لم تذلَّ الهام

بدأتْ بذئب ، ثم نادى قومه
فتكتلوا ، واستأسدَ الأقوام

وأتوا على الأغنام دون هوادة
حمل اللواء جوارحٌ ورُهام

بدأوا براعيها وقائد جمعها
لمَّا يَعُدْ راع ولا غنام

والدورُ آتٍ كل من خنعوا له
وعقابَه سيناله الظلّام

فخذي بنصح (ابن العبيديِّ) الذي
أزرى بعِشقكِ ، والقصيدُ سِهام

ورأيتُ (عبدَ الناصر) اختصرَ المدى
والنص يُنبيءُ أنه مقدام

هو شخصَ الداءَ الذي أودى بنا
وكأن في طياته الجرسام

ومحذراً سُمرَ النعاج مبيناً
خطرَ الذئاب ، فما عليه ملام

وكلامه فصلٌ لمن يُصغي له
فعسى يفيدُ الغافلين كلام

مناسبة القصيدة

(كتب الشاعر العبقري عبد الناصر عليوي العبيدي نصه الرائع: (العشق المهلك) ، فلما طالعتُه للمرة الأولى تولد عندي مطلعٌ يُحاكي نصه! فعزمتُ على إكمال المُحاكاة حُباً في العبيدي وبُغضاً في منهج العشق المهلك! فكانت هذه القصيدة ترجمة له!)
© 2024 - موقع الشعر