قضى زمانكِ ، فيم اللومُ والتهمُ؟
والرأسُ بالشيب يا شمطاءُ يضطرمُ
يا دردبيسُ ملأتِ الجو مَلهبة
والدارُ طفّ بها التحريضُ والوغم
قد فض فوكِ ، فلا أسنانَ تعمره
وفي شرايينكِ العجفاء جفّ دم
قد انحنى الظهرُ رغم الأنف عن وهَن
ونال مأربَه من حُسْنكِ العدَم
غفا لسانكِ ، فاللثغاتُ تغمرُه
وسال منه صديدٌ بعضُه اللعم
وصفحة الوجه قد غارتْ بشاشتها
وحل ضيفاً – على عبوسها - الوَجَم
والوجنتان لظىً أودى بواحدةٍ
وشوّهَ الحُسنَ - في أختٍ لها - الضرم
عينان واحدة تشكو العمى أبداً
وأضرمَ النارَ - في أختٍ لها - السَدَم
أذنان واحدة لا سمْع يُتحفها
وأبعدَ الصوتَ - عن أختٍ لها - الصمم
والحاجبان على كل مصائبُه
هذي التجاعيدُ قد جاءتْ بها القصُم
والأنفُ أرخى – على الشفاه - أرنبة
كأنما أكلتْ نتوءه الحَلَم
وفي الجبين تلوّى الجلدُ مُهترئاً
وسَوّد الهامة المَشطورة الفحَم
والشَعرُ قد ذبحتْ فيه أنوثته
حتى تمرّقتِ الأهدابُ واللمَم
كفان كفٌ شوى عُروقها بَرَصٌ
وأختها جُدِعتْ ، كأنها جِذَم
والساعدان فمشلولٌ بلا شلل
وآخرٌ هدّه التقتير والوَرَم
حتى الأصابعُ غاصت في ارتعاشتها
حوافرٌ تلك ، تشكو عيبَها النعم
والقلبُ شاخت – على الأيام - نضرته
وبات يطلبُه – في الغفلة - الرَجَم
والروحُ ملتْ جفا شيب يُعذبها
هل الشبابُ استوى يا قوم والهِرَم؟
والجسمُ عُرجونة ماتت شبيبتها
فهل يُعيد لها شبابَها الحَجَم؟
والنفسُ هولُ الأسى أدمى سَريرَتها
من بعد أن رجّها – من شيبكِ - السأم
والرِجلُ قوسٌ ثوتْ سِهامُ جُعبتها
فليس تحملها - لعجزها - القدَم
سَفعاءُ أنتِ ، وما بالغتُ في صفةٍ
فهل يَزينكِ ماسٌ بعضُه القضُم؟
يا حيزبونُ ، تخلي عن مكابرةٍ
فمثلكِ – اليوم – يشكو دُودَها الأدَم
كفاكِ فخراً بأمجادٍ مُزيّفةٍ
لن تخدع الناسَ لا تلك الفِرى الجُسُم
أعرابُكِ البُلهُ ما سادوا ، وما سبقوا
وما استطالوا على الهيجا وما غنموا
وشِعرهم لم يكن إلا محاولة
فما له قيمة تغري ، ولا رَنَم
علا عُواؤكِ بالتنديد مُرْعِدة
وقبلُ أخزاكِ - يا مغرورة - البَكَم
قصُرتِ عن لغة الحضارة انطلقتْ
ولفظكِ اليوم – في الحاسوب - ينهزم
كل اللغات – على أشلائكِ - ارتفعتْ
وفيكِ قد قوّضتْ – يا هشّة - الدعَم
وأهلك – اليوم – قد مَلوا عُروبتهم
هيَ التخلفُ والإظلامُ والنقم
رَطانة الغرب أحلى منكِ ، إن لها
طعماً إذا سُبكتْ يَشوبُه النغم
بضاعة أنتِ – في الأسواق - كاسدة
يأبى الركونَ لها الأعرابُ والعَجَم
سُوحُ الحياة أبتكِ – اليوم - خادمة
وطلقتْ نحوَكِ الأجناسُ والأمم
وهذه لغة الأقوام ، فاستمعي
يلهو بها القسُسُ الرهبانُ والنهُم
والإنجليزية الشهباءُ لؤلؤة
وأنتِ غيهبة في جوفها الظلَم
شتان شتان ما هذي مقارنة
البُرءُ هل يستوي - يا ناسُ - والتهُم؟
فالإنجليزية انسابت قواعدُها
فأصبحتْ دُرراً ، كأنها النجُم
أصحابُها نصبوا في نشرها صُحُفاً
وشمّروا عن نفير الجد ، واعتصموا
رعَوْا حقوق الألى شادوا مبانيَها
والناطقون بها بين الورى احترموا
وكافأوا من سعى دوماً لنهضتها
بمهرجانَ له أقيمتِ الخِيَم
بها تكلّم مَن يأتي أراضيَها
لسانُه طلقٌ ، وما به لَسَم
غزتْ ممالكَ أهل الأرض قاطبة
والسهلُ يشهدُ ، والكثبانُ والأكَم
بأي حرفٍ حواسيبُ الدنا انطلقت؟
لسانُ (إنكلترا) كأنه العَلَم
بأي حرفٍ علومُ الأرض قد درستْ؟
حبلٌ هيَ الضادُ - بين الناس - منصرم
بأي حرفٍ قواميسُ العلوم أتتْ؟
لو سُطرتْ بلسان الضاد تنبهم
الطب والفلك الدوّار هل كُتبا
بضادكم؟ أخبروا ، للعلم فاحتكموا
والمنطق الفذ هل صاغته ضادكمُ؟
لا تستطيعُ ، إذن يخونها القلم
لسانُ ضادكمُ هل خط فلسفة؟
لقد يَحَار إذا تعنو له الفهُم
لا تصنعون ، وكل الناس قد صنعوا
بابُ الصناعة مفتوحٌ لمن عزموا
لا تزرعون ، وكل الناس قد زرعوا
والمرءُ يُلقي النوى ، والزارعُ الحكم
بل تشترون ، وهذا كل جهدكمُ
وسوف تقتلكم - بسيفها - التخم
صناعة الشيء أعتى مِن تجارته
وليس يُدرك ما سطرتُ منهزم
العالة الغِر هل تلقى له أدباً؟
مَن في العروبة والإسلام يُتهم
حتى غدوتم لكل الناس مائدة
وقد تداعتْ - على إنهائها - الأمم
تنازلوا عن لسان الضاد ، واغتربوا
كي تفلحوا ، وعمادَ المجد تقتسموا
خذوا - عن الغرب - أعرافاً تُجمّلكم
فإن أعرافكم تعافها الرمم
خذوا - عن الغرب - عاداتٍ تُزيّنكم
عاداتُ داركمُ – في عصرنا - جُرُم
خذوا - عن الغرب - قانوناً يُطوّركم
فمنه تنبثقُ الأوزانُ والقِيَم
لا تقصِروا الأخذ في الآلات منتجة
لا يسمع النصحَ مَن تغره التهم
تقدّم الغربُ ، وانحلتْ مشاكله
ولم تزرْ أهله الأوجاعُ والإزم
لسانه كان ذرباً في حضارته
عذباً فراتاً ، وتغشى لفظه الحِكَم
يُواكبُ العصرَ والعمرانَ في لغةٍ
العُرْبُ والعُجْمُ والدنيا لها خدم
ومَن تمكن منها حاز مَكْرُمة
وركبُه عند صِيدِ الناس مُزدحم
وتُقبَل اليوم – بين الناس - شُفعته
وحقه – بين أهل الأرض - مُحترم
له يُلانُ الحديدُ الصلبُ إن نزلتْ
قوارعُ الدهر ، أو حلتْ به الغمَم
إني لأنصحُ ، والدنيا ستشهدُ لي
الضادُ شاخت ، وأردتْ بأسها القحَم
فغسّلوها – بماء المزن – في وجل
وفي الوجوه ليبدُ الحزنُ والألم
وكفنوها ، ودُسُوا في عباءتها
براءة حبرُها - فوق القماش - دم
وبعدُ صلّوا عليها في تقىً ورجا
وفي الجنازة رُشوا الوردَ يبتسم
ثم ادفنوها ، وعزوا مَن يُشاطرُكم
حزناً عليها ، ليأتِ الأهلُ والحَشم
وغرّبوا الدارَ والأعرافَ ، وارتطنوا
بلهجة الغرب ، نعم اللفظ والنغم
وودّعوا العِمَم الرّعناءَ إن نبستْ
لن تُفلحوا أبداً إن ظلتِ العِمَم
الغربُ شبّ عن الطوق المُعيق له
فأحرقتْ كُتبٌ ، وذبّحتْ نهُم
وصاية الله كان الغربُ جانبَها
أحكامُ دين طغتْ كأنها الشكُم
هذي الكنائسُ بات الغربُ يهجرُها
حتى الأناجيلُ أخفى سطرها الضرم
إن الحضاراتِ والأديانَ ما اجتمعتْ
حضارة تبتني ، ودينُها الهَدَم
تبرّأ الغربُ من أحبار مِلّتهِ
وأعلن الحربَ ، ثم احتال ينتقم
حتى النحاريرُ في العلوم قتّلهم
وهولُه – اليوم – ضد الدين مُحتدِم
فإن أردتم أيا أعرابُ عِزتكم
فالغربُ قدوتكم ، والرأي منصرم
هذي الحضارة لن ترضى تديّنكم
صنوان دينٌ يُرى في الدار والعدم
هذي الحضارة لن تحيا بضادكمُ
وأهلها – في الأنام – الجوقة الغشُم
ففكروا في الذي ناصحتكم ، وزنوا
كل الأمور لكي يغدو لكم شَمَم
لا تبطئوا السيرَ في درب يُبلّغكم
أليس منكم حكيمٌ نابهٌ فقِم؟
حضارة الغرب يا أعرابُ قِبلتكم
هيَ الحياة زهتْ ، والبيتُ والحَرَم
وإن بدأتم بها مَنحىً ومُتجهاً
فاليُسْرُ رائدُكم ، والسعدُ مُختتم
حضارة الغرب قِسط مِن حضارتكم
وكان بينهما – رغم الجفا - رحِم
تقاسما الدور ، (روزا) أختُ (عائشةٍ)
ولم يكن – في الدنا – كهذه قِسَم
(روزا) تُغني – على القيثار - راقصة
فيُمتع الناسَ صوتٌ بعضُه الرنم
وقد تُذيعُ – على الأسماع - نشرتها
وقد تمثل ، والجمهورُ ينسجم
وقد يراها سوادُ الناس لاعبة
بعُشر ثوب ، ولا لومٌ ولا ندم
لسانُ لهجتها – في الغرب - مَولدهُ
بالإنجليزيّة الغيداء مبتسم
والأختُ (عائشة) في البيت قد حُبستْ
تتلو القراْن ، وهذا الجهد محترم
وقد تهَم فترعى بعض ماشيةٍ
ومِن عباءتها تستأنسُ الغنم
حضارتان فذي الدنيا مقاصدُها
وتلك بالدين والقرآن تعتصم
فالاثنتان على خير ومَعدلةٍ
وليس بينهما - يا ناسُ - مصطدم
تكمّلان حياة الناس مَن رغبوا
دنيا الإله ومَن للسلم يحتكم
فالدينُ لله ، والدنيا لمن خلقوا
والناسُ أحرارُ لو عن الرشاد عَمُوا
يا ضادُ كُفي عن الهُراء ، وانتبهي
فعُتبُكِ – اليوم – للأعراب متهم
لا تركبي الموجَ ، إن البحر منتفضٌ
كما ترَيْن ، علتْ أمواجُه البُهُم
لا تنبشي الجيلَ ، إن الجيل في شغل
رطانة الغرب أكلٌ ذاك مؤتدِم
لا تطمعي أن يعود الجيلُ مُلتحفاً
زي العروبة ، لا يذهبْ بكِ العشم
فلملمي النحوَ والصرفَ الملئ دجىً
وزايلي الشِعرَ ، مأوى شِعركِ السخم
وخففي ثورة التحريض ، قد ذهبتْ
أيامُ مجدكِ ، فيم الظن والوَهَم؟
دعي التصابيَ ، آياتُ الشباب مضتْ
وجاءكِ الشيبُ ، منكِ الشيبُ ينتقم
مثل العجوز خبتْ فحوى أنوثتها
وليس يردعُها المشيبُ والهِرَم
طغى جؤاركِ ، والأعرابُ ما سمعوا
أسماعُ أغلبهم حتماً بها صمم
ولّى زمانكِ ، والأيامُ ماضية
والعربُ ضاعوا ، وطال الليلُ والغسَم
لولا أحبك ما ناصحتُ مُحتملاً
أذى النصيحة يسعى فيه مجترم
إضافة تعليق - (( user.name )) - خروج
ادارة موقع الشعر (( comment.message.user.name )) (( comment.message.user.name ))
(( comment.message.text ))
لا يوجد تعليقات.