رسالة عدو لدود للغة العربية - أحمد علي سليمان

قضى زمانكِ ، فيم اللومُ والتهمُ؟
والرأسُ بالشيب يا شمطاءُ يضطرمُ

يا دردبيسُ ملأتِ الجو مَلهبة
والدارُ طفّ بها التحريضُ والوغم

قد فض فوكِ ، فلا أسنانَ تعمره
وفي شرايينكِ العجفاء جفّ دم

قد انحنى الظهرُ رغم الأنف عن وهَن
ونال مأربَه من حُسْنكِ العدَم

غفا لسانكِ ، فاللثغاتُ تغمرُه
وسال منه صديدٌ بعضُه اللعم

وصفحة الوجه قد غارتْ بشاشتها
وحل ضيفاً – على عبوسها - الوَجَم

والوجنتان لظىً أودى بواحدةٍ
وشوّهَ الحُسنَ - في أختٍ لها - الضرم

عينان واحدة تشكو العمى أبداً
وأضرمَ النارَ - في أختٍ لها - السَدَم

أذنان واحدة لا سمْع يُتحفها
وأبعدَ الصوتَ - عن أختٍ لها - الصمم

والحاجبان على كل مصائبُه
هذي التجاعيدُ قد جاءتْ بها القصُم

والأنفُ أرخى – على الشفاه - أرنبة
كأنما أكلتْ نتوءه الحَلَم

وفي الجبين تلوّى الجلدُ مُهترئاً
وسَوّد الهامة المَشطورة الفحَم

والشَعرُ قد ذبحتْ فيه أنوثته
حتى تمرّقتِ الأهدابُ واللمَم

كفان كفٌ شوى عُروقها بَرَصٌ
وأختها جُدِعتْ ، كأنها جِذَم

والساعدان فمشلولٌ بلا شلل
وآخرٌ هدّه التقتير والوَرَم

حتى الأصابعُ غاصت في ارتعاشتها
حوافرٌ تلك ، تشكو عيبَها النعم

والقلبُ شاخت – على الأيام - نضرته
وبات يطلبُه – في الغفلة - الرَجَم

والروحُ ملتْ جفا شيب يُعذبها
هل الشبابُ استوى يا قوم والهِرَم؟

والجسمُ عُرجونة ماتت شبيبتها
فهل يُعيد لها شبابَها الحَجَم؟

والنفسُ هولُ الأسى أدمى سَريرَتها
من بعد أن رجّها – من شيبكِ - السأم

والرِجلُ قوسٌ ثوتْ سِهامُ جُعبتها
فليس تحملها - لعجزها - القدَم

سَفعاءُ أنتِ ، وما بالغتُ في صفةٍ
فهل يَزينكِ ماسٌ بعضُه القضُم؟

يا حيزبونُ ، تخلي عن مكابرةٍ
فمثلكِ – اليوم – يشكو دُودَها الأدَم

كفاكِ فخراً بأمجادٍ مُزيّفةٍ
لن تخدع الناسَ لا تلك الفِرى الجُسُم

أعرابُكِ البُلهُ ما سادوا ، وما سبقوا
وما استطالوا على الهيجا وما غنموا

وشِعرهم لم يكن إلا محاولة
فما له قيمة تغري ، ولا رَنَم

علا عُواؤكِ بالتنديد مُرْعِدة
وقبلُ أخزاكِ - يا مغرورة - البَكَم

قصُرتِ عن لغة الحضارة انطلقتْ
ولفظكِ اليوم – في الحاسوب - ينهزم

كل اللغات – على أشلائكِ - ارتفعتْ
وفيكِ قد قوّضتْ – يا هشّة - الدعَم

وأهلك – اليوم – قد مَلوا عُروبتهم
هيَ التخلفُ والإظلامُ والنقم

رَطانة الغرب أحلى منكِ ، إن لها
طعماً إذا سُبكتْ يَشوبُه النغم

بضاعة أنتِ – في الأسواق - كاسدة
يأبى الركونَ لها الأعرابُ والعَجَم

سُوحُ الحياة أبتكِ – اليوم - خادمة
وطلقتْ نحوَكِ الأجناسُ والأمم

وهذه لغة الأقوام ، فاستمعي
يلهو بها القسُسُ الرهبانُ والنهُم

والإنجليزية الشهباءُ لؤلؤة
وأنتِ غيهبة في جوفها الظلَم

شتان شتان ما هذي مقارنة
البُرءُ هل يستوي - يا ناسُ - والتهُم؟

فالإنجليزية انسابت قواعدُها
فأصبحتْ دُرراً ، كأنها النجُم

أصحابُها نصبوا في نشرها صُحُفاً
وشمّروا عن نفير الجد ، واعتصموا

رعَوْا حقوق الألى شادوا مبانيَها
والناطقون بها بين الورى احترموا

وكافأوا من سعى دوماً لنهضتها
بمهرجانَ له أقيمتِ الخِيَم

بها تكلّم مَن يأتي أراضيَها
لسانُه طلقٌ ، وما به لَسَم

غزتْ ممالكَ أهل الأرض قاطبة
والسهلُ يشهدُ ، والكثبانُ والأكَم

بأي حرفٍ حواسيبُ الدنا انطلقت؟
لسانُ (إنكلترا) كأنه العَلَم

بأي حرفٍ علومُ الأرض قد درستْ؟
حبلٌ هيَ الضادُ - بين الناس - منصرم

بأي حرفٍ قواميسُ العلوم أتتْ؟
لو سُطرتْ بلسان الضاد تنبهم

الطب والفلك الدوّار هل كُتبا
بضادكم؟ أخبروا ، للعلم فاحتكموا

والمنطق الفذ هل صاغته ضادكمُ؟
لا تستطيعُ ، إذن يخونها القلم

لسانُ ضادكمُ هل خط فلسفة؟
لقد يَحَار إذا تعنو له الفهُم

لا تصنعون ، وكل الناس قد صنعوا
بابُ الصناعة مفتوحٌ لمن عزموا

لا تزرعون ، وكل الناس قد زرعوا
والمرءُ يُلقي النوى ، والزارعُ الحكم

بل تشترون ، وهذا كل جهدكمُ
وسوف تقتلكم - بسيفها - التخم

صناعة الشيء أعتى مِن تجارته
وليس يُدرك ما سطرتُ منهزم

العالة الغِر هل تلقى له أدباً؟
مَن في العروبة والإسلام يُتهم

حتى غدوتم لكل الناس مائدة
وقد تداعتْ - على إنهائها - الأمم

تنازلوا عن لسان الضاد ، واغتربوا
كي تفلحوا ، وعمادَ المجد تقتسموا

خذوا - عن الغرب - أعرافاً تُجمّلكم
فإن أعرافكم تعافها الرمم

خذوا - عن الغرب - عاداتٍ تُزيّنكم
عاداتُ داركمُ – في عصرنا - جُرُم

خذوا - عن الغرب - قانوناً يُطوّركم
فمنه تنبثقُ الأوزانُ والقِيَم

لا تقصِروا الأخذ في الآلات منتجة
لا يسمع النصحَ مَن تغره التهم

تقدّم الغربُ ، وانحلتْ مشاكله
ولم تزرْ أهله الأوجاعُ والإزم

لسانه كان ذرباً في حضارته
عذباً فراتاً ، وتغشى لفظه الحِكَم

يُواكبُ العصرَ والعمرانَ في لغةٍ
العُرْبُ والعُجْمُ والدنيا لها خدم

ومَن تمكن منها حاز مَكْرُمة
وركبُه عند صِيدِ الناس مُزدحم

وتُقبَل اليوم – بين الناس - شُفعته
وحقه – بين أهل الأرض - مُحترم

له يُلانُ الحديدُ الصلبُ إن نزلتْ
قوارعُ الدهر ، أو حلتْ به الغمَم

إني لأنصحُ ، والدنيا ستشهدُ لي
الضادُ شاخت ، وأردتْ بأسها القحَم

فغسّلوها – بماء المزن – في وجل
وفي الوجوه ليبدُ الحزنُ والألم

وكفنوها ، ودُسُوا في عباءتها
براءة حبرُها - فوق القماش - دم

وبعدُ صلّوا عليها في تقىً ورجا
وفي الجنازة رُشوا الوردَ يبتسم

ثم ادفنوها ، وعزوا مَن يُشاطرُكم
حزناً عليها ، ليأتِ الأهلُ والحَشم

وغرّبوا الدارَ والأعرافَ ، وارتطنوا
بلهجة الغرب ، نعم اللفظ والنغم

وودّعوا العِمَم الرّعناءَ إن نبستْ
لن تُفلحوا أبداً إن ظلتِ العِمَم

الغربُ شبّ عن الطوق المُعيق له
فأحرقتْ كُتبٌ ، وذبّحتْ نهُم

وصاية الله كان الغربُ جانبَها
أحكامُ دين طغتْ كأنها الشكُم

هذي الكنائسُ بات الغربُ يهجرُها
حتى الأناجيلُ أخفى سطرها الضرم

إن الحضاراتِ والأديانَ ما اجتمعتْ
حضارة تبتني ، ودينُها الهَدَم

تبرّأ الغربُ من أحبار مِلّتهِ
وأعلن الحربَ ، ثم احتال ينتقم

حتى النحاريرُ في العلوم قتّلهم
وهولُه – اليوم – ضد الدين مُحتدِم

فإن أردتم أيا أعرابُ عِزتكم
فالغربُ قدوتكم ، والرأي منصرم

هذي الحضارة لن ترضى تديّنكم
صنوان دينٌ يُرى في الدار والعدم

هذي الحضارة لن تحيا بضادكمُ
وأهلها – في الأنام – الجوقة الغشُم

ففكروا في الذي ناصحتكم ، وزنوا
كل الأمور لكي يغدو لكم شَمَم

لا تبطئوا السيرَ في درب يُبلّغكم
أليس منكم حكيمٌ نابهٌ فقِم؟

حضارة الغرب يا أعرابُ قِبلتكم
هيَ الحياة زهتْ ، والبيتُ والحَرَم

وإن بدأتم بها مَنحىً ومُتجهاً
فاليُسْرُ رائدُكم ، والسعدُ مُختتم

حضارة الغرب قِسط مِن حضارتكم
وكان بينهما – رغم الجفا - رحِم

تقاسما الدور ، (روزا) أختُ (عائشةٍ)
ولم يكن – في الدنا – كهذه قِسَم

(روزا) تُغني – على القيثار - راقصة
فيُمتع الناسَ صوتٌ بعضُه الرنم

وقد تُذيعُ – على الأسماع - نشرتها
وقد تمثل ، والجمهورُ ينسجم

وقد يراها سوادُ الناس لاعبة
بعُشر ثوب ، ولا لومٌ ولا ندم

لسانُ لهجتها – في الغرب - مَولدهُ
بالإنجليزيّة الغيداء مبتسم

والأختُ (عائشة) في البيت قد حُبستْ
تتلو القراْن ، وهذا الجهد محترم

وقد تهَم فترعى بعض ماشيةٍ
ومِن عباءتها تستأنسُ الغنم

حضارتان فذي الدنيا مقاصدُها
وتلك بالدين والقرآن تعتصم

فالاثنتان على خير ومَعدلةٍ
وليس بينهما - يا ناسُ - مصطدم

تكمّلان حياة الناس مَن رغبوا
دنيا الإله ومَن للسلم يحتكم

فالدينُ لله ، والدنيا لمن خلقوا
والناسُ أحرارُ لو عن الرشاد عَمُوا

يا ضادُ كُفي عن الهُراء ، وانتبهي
فعُتبُكِ – اليوم – للأعراب متهم

لا تركبي الموجَ ، إن البحر منتفضٌ
كما ترَيْن ، علتْ أمواجُه البُهُم

لا تنبشي الجيلَ ، إن الجيل في شغل
رطانة الغرب أكلٌ ذاك مؤتدِم

لا تطمعي أن يعود الجيلُ مُلتحفاً
زي العروبة ، لا يذهبْ بكِ العشم

فلملمي النحوَ والصرفَ الملئ دجىً
وزايلي الشِعرَ ، مأوى شِعركِ السخم

وخففي ثورة التحريض ، قد ذهبتْ
أيامُ مجدكِ ، فيم الظن والوَهَم؟

دعي التصابيَ ، آياتُ الشباب مضتْ
وجاءكِ الشيبُ ، منكِ الشيبُ ينتقم

مثل العجوز خبتْ فحوى أنوثتها
وليس يردعُها المشيبُ والهِرَم

طغى جؤاركِ ، والأعرابُ ما سمعوا
أسماعُ أغلبهم حتماً بها صمم

ولّى زمانكِ ، والأيامُ ماضية
والعربُ ضاعوا ، وطال الليلُ والغسَم

لولا أحبك ما ناصحتُ مُحتملاً
أذى النصيحة يسعى فيه مجترم

© 2024 - موقع الشعر