(1)في أرض إيرانَ حيث الهَضْبُ لابسةٌزنّارَهامن الثلوجْكالحُورْتستقبل الشمسَ .. والأنهارُ هامسةٌأسرارَهابين المروجْللنُّورْجلا الربيعُ بنيسابورَ موكبَهُفزاد عِيداً إلى أعيادها الأُخَرِيا ناعماً في ربوع الخلدِ ليلتَهُمسّتْ خطاكَ ثرى الوادي مع السَّحَرفلم تزل خُفَراءُ الطيرِ تهتف فيأفنانها لنجومِ الأرضِ بالخبرحتى تلألأنَ في ضوء النهارِ ثُنًىوفزنَ منك فُرادى بالشذى العَطِرفالزهرُ في قاعها يفترّ مَبسمُهُيا ليلُ هل صبغتْ فاهُ يدُ القمر؟والعشبُ من حولها يزهو بخضرتهِيا أفقُ! هل هو ميدانٌ إلى النظر؟والطيرُ من فوقها في ظلّ وارفةٍيا غُصْنُ! هل أخذتْه رَشّةُ المطر؟والنهرُ من تحتها في موجه أَلَقٌيا شمسُ هل هو مرآةٌ إلى الشجر؟إني لأسمعُ في أرجائها ضَحِكاًكنغمةٍ بعثتْها هِزّةُ الوتريا من يُؤمّل في الفردوس بُغْيتَهُقَررتَ عيناً بها في هذه الصورلَبِّ الحياةَ فقد عمّتْ بدعوتهاوما الربيعُ سوى تجديدِ ذكراها(2)أتى الربيعُ إلى الدنيا كعادتهِبما اجتناهْمن الجِنانْملءَ اليدِفكاد يشغل عنها في عبادتهِبما رآهْمن الحسانْفي المعبدِوأقبلتْ تتهادى في غلائلهابنتُ الجِنان تُحيّيها كحوّاءِلو حاول الليلُ أن يغزو غدائرَهالماج يسأل: أين الكوكبُ النائيتَضاحكَ الوردُ لما قيل «وجنتُها»أكنتَ، يا وردُ، مَشغوفاً بإطراء؟فأسفرتْ عن مُحيّا في بشاشتهِيكاد يقطر منه الحسنُ كالماءشفَّ الحريرُ الذي وارى ترائبَهاعن فاتنَيْنِ.. فهل هَمّا بأشياءلم تسحبِ الذيلَ فوق الزهرِ سائرةًإلا ومال يُزّكيها بإيماءحتى أتتْ مَحْفلاً في الروض منزوياًقد لاذ في السُّكْر أهلوه بأفياءهذا أخو شيبةٍ ألقى اليراعَ علىما خطّه وانثنى في شبه إغفاءفهيّأتْ كأسَه... حتى إذا نظرتْما في الصحيفة .... غَنّتْ للأحبّاء- والشوقُ في دمها والعُودُ في يدهايُعيد نغمتَها الأولى بأصداء -«يا نائماً في ظلال الكرمِ وابنتُهُفي الحُلْم تُؤنسه.. قُمْ وارتشفْ فاها»***(3)هذا الجمالُ الذي كم وَد َّناظرُهُفي ميعةٍمن صباهْلو نالهُيا وردُ! مثلكَ إنْ حيّاه شاعرُهُبنغمةٍمِن هواهْأصغى لهُ«شيرينُ! غنّيتِ صوتاً كان يطربنيليت الأحبّاءَ عادوا لي مع النغمِناموا.. وهدهدتِ الأزهارَ بعدَهُمُيدُ الربيعِ على عيني.. فلم تنمذكّرتِني بشبابي إذ تطوف بهِفي باحة الخُلْدِ آمالٌ مَدى الحُلُمإذ كنتُ أُطلق نفسي في سجيّتهافلا تَني السبقَ من جَرْيٍ على قدمأشكو مواقعَ عينَيْ كلِّ فاتنةٍمفتونةٍ بالذي أجلو من الشَّمَمباحت بسِرِّ شَكاةِ القلبِ رائعةٌتلوح كالبرق في داجٍ من الظَّلُمما للبياض - أحال اللهُ جِدَّتَهُ -يُفضي إلى الهمِّ ... لا يُفضي إلى الهِمَمنُعدّ للصبر أنفاساً مُحرِّقةًحتى تَحولَ رماداً فحمةُ اللِّمَملأقطعنَّ نياط َالقلبِ إنْ وجدتْنفسي سبيلاً إلى غرس المنى بدميفلو سفرتِ عن الآمال كان بهاما بي من الزمن الموفي على الهَرَمفجَدّدي ليَ باللحن الجميلِ رؤىّلا زلتُ تحت ظلال الكرمِ أرعاها(4)يا طَرْفَها! إنه قَضّى الحياةَ إلىمشيبهِفي اكتناهِ الشُّهْبِوظلّ مَجمرُه في الأرض مشتعلابطيبهِلإلهِالحُبِّ«شيرينُ! حسنُكِ أعطى الأرضَ زينتَهاحتى ولو لم يزنْها كفُّ نَيْسانِهْفكيف والطيرُ قد بلَّ الندى فمَهُفطار يملأ مَغناها بألحانههذا الربيعُ قد استلقى بحاشيةٍمن الزهور على الوادي وشُطآنهيُصيخ للبلبل العربيد.. وَهْو علىأرجوحةٍ من نسيم الروضِ أو بانهيهزّ أرجاءَها هزّاً بنغمتهِولا يفيق - كأن السكرَ من شانهفلقِّنِيه من الألحان أطربَهاإلى النفوس... وجازيه بإحسانهوبادلي الروضَ أنفاساً مُعطَّرةًفما أرقَّ الصَّبا في ظلّ أفنانهوضاحكي الوردَ في إبّان حُمرتهِفربّما عاد مطويّاً لأشجانهودونكِ النهرُ.. فانْسِي في تَدفّقهِهذا القميصَ الذي يُزري بإنسانهأما كفى الحسنَ أنّ الموتَ يرصدُهُفما له في الصِّبا يسعى بأكفانهوقبّلي الكأسَ ما دامت مُشعشعةًولا تشحّي على ثغري بُبقياها»(5)يا ربّةَ الحُسْنِ! إن السُّكْرَ مبعثُهُعيناكِوحدَهمالا الكاسْوأين من شفتيكِ السِّحرُ ينفثهُصرعاكِباسمهمافي الناسْطافت عليهم بها كالشمس ساطعةًيرى على الخَدّ من لألائها شَفَقُفعبَّ فيها ثلاثاً وَهْي تسندُهُحتى تَماسكَ في أحشائه الرَّمقوعاودَ العُودَ شيءٌ من تململهِلما غدا العُودُ بين الجمر يحترقفظلّ يبعث في الأسماع أنّتَهُموصولةً دون أن ينتابَها قلقثم استمرّتْ تُغنّيهم - بما حملتْيدُ الربيعِ لهم - والعودُ يصطفق«يا عاشقَ الوردِ! ما جاء الربيعُ لكييحيا حبيبُكَ محفوفاً به الورق»وصوتُها ماج بحراً لا هدوءَ لهُمن كلّ نجمٍ على أمواجه أَلَقيعلو.. فتحسبه شَقَّ القلوبَ إلىحَبّاتِها.. وطوى آلامَها الغرقحتى إذا خفَّ - مغموراً بموجتهِ -شيئاً فشيئاً ... تراءى حولها الأُفُقفمال كلُّ نديمٍ في تَرنُّحهِعلى سواه من الصوت الذي عشقوا«فاقطفْه في زهوه.. وانظرْ إلى دمهِهل مازجَ الكاسَ إذ تسقي وتُسقاها»(6)بات الهزارُ بقرب الوردِ يعبدُهُيا طلُّكنْ كالخمرِرقراقاوقُلْ إلى النجم إنّ الفجرَ موعدُهُيظلُّحتى الفجرِبَرّاقاوتَمّ للشمس في الأفلاك جولتُهافجاوزت بخُطاها الغربَ في خَفَرِوظلّ من بعدها ما احمرَّ من شفقٍيسائل الأرضَ هل غابت عَنِ النظرفانفضّ في الروض حفلٌ كان مُنشدُهُمن الطيور وساقيه من الزَّهَروأقبلَ الليلُ يحدوه تَطلُّعُهُإلى الذي خلّف الندمانُ من أثريا ليلُ! اِنفرطَ العِقْدُ الذي امتلأتْبه يداكَ ففاض الكونُ بالدُّرَر؟لولا سناها لما عاينتَ شاعرَهُمْوقد تَوسّدَ كفَّيْه على النَّهَربجنب شيرينَ.. مأخوذاً بروعة ماتُدليه في مائه الجاري من الشَّعَرووجهُها باسمٌ يُغني بطلعتهِعن الشموعِ - ويُمناها على الوترقال: انظري كيف يبدو في الظلام لناسِرُّ الجمالِ الذي يَخفى مع السَّحَرشيرينُ! لو كان لي بعد البِلى أملٌلما تمنّيتُ إلا ثانياً عُمُريفعشتُ في هذه الدنيا كعهدكِ بيللحسن.. يُشعل لي ناراً فأغشاها»(7)للحسن فينا - كما فيه لنا - وَطَرُمن لم يَحُمْبين يَدَيْنُوْرِهْعاش الندامى وحَلّى كأسَهم قَمَرُعلى النغمْمن عرش دَيْ..جُوْرِهْعاد الربيعُ لنيسابورَ ثانيةًوقد تبدّلَ زاهي أمسِها بغدِفكان في الموكب التالي كسابقهِيمشي مع الحُسنِ مختالاً.. يداً بيدكم ذاب قلبُ هَزارٍ في تَرنُّمهِحتى تَضوَّعَ هذا الزهرُ وَهْو نديعاد الربيعُ.. وقد حفَّ الحِسانُ بهِإلا الذي كان يهوى الحُسْنَ لم يَعُدسَلِ الورودَ وقد وارت بكِلَّتِهاضريحَه لِمَ لمْ تُكْثِر من العددهناك حيث قديماً طاب محفلُهُمْحلّ الندامى على أنماطها الجُدُدعاد الربيعُ.. فلا ردّوا تحيّتَهُإلا بأحسنَ منها - دائمَ الأبدبشعلةٍ في يديها.. روحُ شاعرهمْمثلَ الفَراشِ حواليْها مع الحَشَدحتى إذا تَمَّ دَوْرُ الكأسِ بينهُمُتهتزّ أوتارُه من صوتها الغَرِد:«واضيعةَ الكأسِ يوماً إن عثرتُ بهاعلى رفاتي.. فلم أنعمْ برؤياها»
أحدث إضافات الديوان
إضافة تعليق - (( user.name )) - خروج
ادارة موقع الشعر (( comment.message.user.name )) (( comment.message.user.name ))
(( comment.message.text ))
لا يوجد تعليقات.