أيقظيهم فصلاتهم أولى! - أحمد علي سليمان

ما بالُ وجهِكِ فيه الحزنُ يلتهبُ؟
ونبرة الصوت بالإيلام تختضِبُ؟

والجوُّ يعصف بالأوجاع صُبح مسا؟
والحالُ منجدلٌ ، والبيتُ مكتئب؟

رفقاً بنفسكِ ، هذا الضُرُّ منفرجٌ
وحُسنُ ظنكِ بالرحمن يُطلب

أولادُنا أين؟ لا حِسٌ ولا خبرٌ
ولا ضجيجٌ ولا فوضى ولا جَلب

هل يا تُرى صَلوُا العشاء عن رغب؟
وكم يُضيفُ لها الطلاوة الرغب

فقالت الزوجُ: جاعوا ، فاعتذرتُ لهم
إذ لا طعامَ به يُستدفعُ السغب

فرُحتُ مِن حيرتي الشجوى أعَللهم
حتى يناموا ، وقلبي بات ينتحب

ولم يُصَلوا ، وأخشى إن همُ يقِظوا
يُبكيهمُ الجوعُ جوعُ المِعْدة اللهب

فقال: يا (أمَّ جاد الحق) لا تهني
بذي الصلاة يزولُ الجوعُ والنصب

فلتوقظيهم بأمر الله خالقنا
فالخيرُ في طاعة الرحمن يُرتغب

على المهيمن رزقُ الناس أجمعِهم
وبالمعاصي عطاءُ الله يُحتجب

فاستسلمتْ أمُّهم ، والله وفقها
وأيقظتْهم ، فلبي العِترة النجُب

أدَّوا صلاتهمُ ، والجوعُ يَعصِرُهم
ويستبدُّ بهم ، والأكلَ ما طلبوا

وإذ بمائدة مُدَّتْ على عَجل
قبالة الباب فيها اللحمُ والحلب

فيها مِن الرز ما شاءتْ شهيتُهم
فيها الشواءُ وفيها السمنُ والرطب

كانت مقدَّمة لسيدٍ نبهٍ
مِن عِلية القوم ، نِعم الجاهُ والقرَب

وأقسمَ السيدُ المِغوارُ في ملأ
أنْ ليس يأكلُ إذ أودى به الغضب

قال المضيِّفُ أعطي الأكلَ من وقفتْ
ببابه قدَمي إذ عاقها التعب

مناسبة القصيدة

(دخل رجُل على زوجته بعد صلاة العشاء ، ووجد الأولاد قد ناموا فسألها: هل صلى الأولاد قبل أن يناموا أم لا؟ فقالت: لم يكن عندي طعام ، وعلَّلتُهُم حتى ناموا ، ولم يُصلُّوا يا زوجي العزيز. فقال: أيقظيهم لكي يُصلوا. قالت: يا أبا جاد الحق ، إذا أيقظُتُهم سيبكون من الجوع ، ولا يوجد في بيتنا طعام. قال: يا امرأة ، إنَّ الله أمرني بأن آمرهم بالصلاة ، ورزقُهُم ليس علي. أيقظيهم فرزقُهم على الله. الله يقول: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصطبرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى). وهنا استسلمت الأم وأيقظتهم ، ولما فرغوا من الصلاة إذا بالباب يُقرَع ، إذا بأحد الأغنياء يحمِل مائدة عليها ما لذ من أصناف الطعام. قال: خذ هذا لأهل بيتك. قال: ما شأنك؟ قال: جاءني أحدُ أشراف البلد ، وقدَّمت له هذا الطعام ، وقبل أن يأكل تخاصمنا ، وحلف أن لا يأكل شيئاً وخرج. فحملتُ الطعام ، وقُلت سأُعطيه لمن تقف عنده قدماي ، ووالله ما وقفت إلَّا عند بابك ، ووالله لا أدري ما الذي أتى بي أليكُم. عندها رفَع الأب كفيه لربِّ العالمين وقال: "رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب". وأدرك ساعتئذ أن أمره لأولادهم بالصلاة كان سبباً مباشراً في إغداق الرزق عليهم من حيث لم يحتسب أو يحتسبوا. كتبتُ في هذا الموقف التوحيدي العقدي الجميل هذي القصيدة المعبرة عن أن حسن الظن بالله يأتي بالخير.)
© 2024 - موقع الشعر