انتهت صلاحيتك يا زيد! - أحمد علي سليمان

يا(زيدُ) خَلاكَ الصبا ، وتمَرَّقا
وأسى فؤادُك مِن تكاليف البقا

لا موت يُنهي ما تُصارعَ من أذىً
أو عيش يخلو مِن تصاريف الشقا

لا خِلَّ يدفعُ عنك طارقة النوى
أو صاحباً يُزجي المودَّة في اللقا

خلى النقاءُ العذبُ أفئدة الورى
ما قيمة الإنسان عاش بلا نقا؟

ومكارمُ الأخلاق مات حُماتُها
وسرى التدني ، كيف عنه المرتقى؟

ورفاقُ دربك في المقابر ، فابكهم
كم عشت في الدنيا عليهم مشفِقا

والعيشُ جَندلتِ الدغاولُ سَمْتهُ
لمَّا يعُدْ لمن اشتهاه مُشوِّقا

والحالُ عكَّرَتِ المصائبُ صَفوَه
والعقلُ مِن أثر الشتات استغلقا

وَضعٌ ورب الناس يُزري بالذي
قد شافه نسقاً ، فجدَّ ونسَّقا

وتقولها (هندٌ) بكل تبَجُّح
أكدى صِباك – كما ترى – وتمَرَّقا

والمالُ ولى ، والمواردُ أقفرتْ
والجمعُ عنك وعن جِواك تفرَّقا

واحدودبَ الظهرُ الضعيفُ ، ودِسْكُه
منعَ المرونة أن تشيعَ وتُورقا

والجسمُ قد وَهنتْ قواه جميعُها
والطبُّ فكَّرَ في العلاج ، وأطرقا

ماذا يُقدِّمُ من دواءٍ يجتني
أسقامَه من أجل أن يتألقا؟

والعظمُ هشَّ ، وغاص في نكباته
والشَّعرُ عانى في المشيب المَفرقا

وكأنما زمنُ الصلاحية انتهى
والعُمرُ ودَّعَ بعد لأي رَونقا

وإلى المهيمن في الحياة المُشتكى
ويكاد حالي بالأسى أن ينطقا

البأسُ زايلَ ، والنقودُ ، وهيبتي
لكنَّ لي حقاً ، وإن هو أزهِقا

يا(هندُ) أين وعودُ أمسكِ والوفا؟
والعهدُ أين؟ وساءَ عُذرُكِ منطقاً

أين اتباعُكِ للدليل ومنهجٌ؟
لمَ تصمُتين اليوم صمتاً مُطبِقا؟

أوَهكذا تقضي المروءةُ والإخا؟
أنا لستُ – واللهِ العزيز – مُصَدِّقا

قد كنتُ أنشدُ مِن زواجك عِيشة
شرعية ، والعهدُ كان مُوَثقا

لمَ أصبحتْ حُلماً يُداعِبُه الكرى
ويقولُ أهلكِ: فارقي مُتملقا

قالوا: تمسْكنَ كي يحوز تمكناً
نطقوا خزعبلة وإفكاً أخرقا

أنا لم أزل أكْوَى بنار صراحتي
هل أستحِقُّ بخذلكم أن أحرقا؟

تالله ما قصَّرتُ في إكرامكم
والحق يَنشدُ باحثاً متحققا

اليوم هنتُ ، وقبلُ هانت عشرتي
أنا لن أحَكِّم جاهلاً متفيهقا

أنا مَن يُحدِّدُ دربَه مستبصراً
وبغير رب الناس لن أتعلقا

قولي لمن غالَ الوعودَ مُغالِطاً
وبقبح أخلاق اليهود تخلقا

قولي لمن نقضَ العهودَ مماحِكاً
أنا لن أحابيَ من يخونُ الموثقا

أنا لم يزلْ سَمتي الوفا متصبِّراً
سيظل صبري في الدياجر مُشرقا

ديني وتوحيدي ونورُ عبادتي
وصريحُ أخذي للدليل مُدَققا

وقوِيُّ أخذي للكتاب وآيهِ
عُدَدٌ بها ربي يُهيِّئُ مَرفقا

وإذا اعتدى غيري ، وزيَّفَ وادَّعى
وأهاجَ خندمة ، وقاد الفيلقا

فالله يحكمُ بيننا يوم الجزا
والقلبُ لليوم العظيم تشوَّقا

مناسبة القصيدة

(لما قال الشاعر الجاهلي عبدة بن الطبيب نصه الشهير الجهير الذي يلخص طبيعة أغلب النساء ، اليوم وأمس وغداً! فطالما مع الزوج المال والشباب والصبا فنعما هو زوجاً! وإلا فلا: فإن تسألوني بالنساء فإنني خبيرٌ بأدواء النساء طبيبُ إذا شابَ شعر المرء ، أو قلَّ ماله فليس له في وُدِّهن نصيب يُردْن ثراءَ المال حيثُ علمْنه وشرخ شباب المرء عندهن عجيب ونسأل الغالبية العظمى من نساء هذا العصر الذي قل خيره وكثر بلاؤه وشره فنقول: متى تنتهى صلاحية الرجل عند المرأة منهن؟ والجواب باستقراء الواقع ، عندما يتحول الخوف عليه إلى الخوف منه. وعندما لا تتعمد الواحدة منهن إثارة انتباهه بغيابها المتعمد عن أماكن تواجده. وعندما لا تحرص أبداً على أن تكون أمامه فى أفضل حالاتها. وعندما لا تتظاهر بالحزن كي تثير قلقه عليها. وطبعاً لم يعد مالٌ لزيد ، وكان قد داهمه شيبه ، وغزا ذلك الشيبُ مفرقه ، واحدودب ظهره ، ووهن عظمه! وبناءً على هذه الحيثيات ، لم يعد له عند هند ود ولا حب. وكانت هند لوقاحتها وقلة أدبها وسوء خلقها قد قالتها له صراحة: لقد انتهت صلاحيتك يا زيد كما تنتهي صلاحيات المربات وعلب التونة والجبن والحلوى والزبيب والنشا والدقيق! باختصار القبر أولى بك من هذه الحياة! ويأمر زيد فلا تطيعه هند! ويغار زيد فلا تهتم لغيرته هند! ويبكي زيد فلا تجفف دموعه هند! ويجوع زيد فلا تعد طعامه هند! ويعطش زيد فلا تقدم له الماء البارد أو الحار هند! ويمرض زيد فلا تطبِّبُه هند! ويبقى زيد في غرفته حبيساً بالأيام والليالي لا يخرج إلا للصلاة فلا تزوره هند! من أجل ذلك كله وغيره الكثير مما في جعبتي وتمتليء به قريحتي ويسكن قلبي ويعشعش في ضميري – كانت هذه القصيدة التهكمية الساخرة من الزوجة (هند) وسلوكياتها السيئة المسيئة وممارساتها المنحطة السافلة وتصرفاتها الدنيئة! لعلها وكل (هند) تتوب إلى الله تعالى من هذه الرعونة وذلك النشوز الفظ!)
© 2024 - موقع الشعر