المعروف لا يضيع! - أحمد علي سليمان

صَنيعُك للعُرف ما أمْلحَهْ
وأنعِمْ بتجرتك المُربحة

بذلت الخيورَ لأصحابها
وراعيت ما تقتضي المَصلحة

ولم ترجُ مدحاً تدِلُّ بهِ
ولم ترجُ شكراً ولا أوشِحة

وقمت بما قمت مُستروحاً
أريجاً ، وغيرُك ما استروحه

وعنه سُئِلت فلمَّا تُجبْ
وكنت توَرَّعت أن تشرحه

وعَز الجوابُ على سائل
فصاغ السؤالَ بلا وَحوحة

وخِفت ضياعَ الثواب الذي
تمنيت بالهمة المُفلحة

وأجرُك عند المليك غداً
ويوماً ستهتفُ ما أملحه

صنائعُ عُرف الفتى جُنة
عن الخير يَلحقه مُفصِحة

تقِيهِ المصائبَ إنْ أقبلتْ
وكانت لها في الورى مَسلحة

وترفعُ ذاتك إن جُندِلتْ
وأضحتْ بما ساءها مُقمَحة

جهادٌ مع النفس مُستبسلٌ
وسعيٌ إلى الخير ما أربحه

وبابٌ لتحقيق ما يَشتهي
فؤادٌ يُناجي بها مَطمحه

وأقوى سلاح لشحذ التقى
يَفوقُ بإخلاصه الأسلحة

وتحيا المُروءة مَشكورة
وتزهو بأفعالها المُفرحة

وأكرمْ بأهل العطاء لهم
نفوسٌ لمَن حولهم مُصلحة

ولا يرعوون لأهل الهوى
ولا يَصحبون ذوي الأرجحة

ومعروفهم عند رب السما
وما عند ربك ما أربحه

مناسبة القصيدة

(أحد المسافرين رأى شاباً غضاً ممددًا على سيارته غائبًا عن شعوره لا يرى عليه أثرًا لحادث أو سببًا مباشرًا لهذه الحال ، لم يتح لنفسه كثيرًا من التساؤلات ، بل قطعها بإغاثة هذا المسكين ، فما أن أمسكه بيده حتى أحس بحركةٍ بطيئةٍ في يدي هذا الشاب ، يشير بيديه إلى أنفه وفمه ، مبينًا له بذلك أنه لم يعد له نفس يعيش به ، فرح صانع المعروف بحياته ، وأحس بأن الله أرسله إليه لينقذه على يده تحرك بسرعة لأخذه إلى طبيب حاذق في شأن أمراض الصدر بمدينةٍ قريبة ، متكفلاً بكل المصاريف المهنية والعلاجية والدوائية لهذا المريض حتى يشفيه الله تعالى! فما إن وصَل إلى هناك قام الطبيب بالأمانة المُلقاة على عاتقه خير قيام ، وصانع المعروف واقفٌ على رأسه ، يرقب ذلك النفس المتقطع والصدر المتحشرج نسي سفره الذي خرج من أجله وترك الدنيا من ورائه ، وأقبل على إنقاذ روح كادت أن تفارق صاحبها ، ليُعيدها بأمرِ الله إليه ، لا لمعرفةٍ سابقةٍ ، ولا لمصلحةٍ دنيويةٍ لاحقة ، ولا لأنساب أو مصاهرة بينهما! إنما فقط حب صنيع المعروف الذي أكرمه الله به ، وما زال كذلك يرقب الشاب بعينيه ، ويحيطه برعايته ، ويلهج لسانه بالدعاء له ، أن يمُن الله عليه بالشفاء ، ويعيده إلى الحياة ، وشيئًا فشيئًا حتى سمع الأنفاس تتراجع ، والأزمة تِخف ، والأطراف تتحرك ، وبدأ نور العينين يخفق ببصيص من الحياة ، وصانع المعروف يحدق في وجه الطبيب يبحث عن الأمل في وجهه يتلمس ابتسامة النجاة على ثغره ، وبدأت الحياة تدب في أوصال ذلك الشاب ، وبدأت أسارير وجه الطبيب تتهلل بشرًا ، وتبشر بالحياة من جديد ، حينها تعرّف صانع المعروف على هاتف منزل أهل المصاب من المصاب نفسه ، واختفى من المستشفى حتى لا يتعرف عليه أحد ، وذهب ليتم معروفه بنجاح وحكمةٍ ليتصل على أهل المصاب ، فأخبرهم خبر ابنهم ومكانه. ولكن: من أنت أيها المتحدث؟ من أنت وفقك الله؟ من أنت يا صانع المعروف؟! أخبرنا باسمك ، دعنا نحدِّث الناس بشهامتك ، دعنا نصف للناس معروفك ، دعنا نردُّ لك شيئًا من جميلك ، وأي جميل يمكن أن يُرد لمثلك وقد كنت سببًا في رد الحياة إلى ابننا بإذن ربه سبحانه! أما لنا نصيب من إكرامك ، والإحسان إليك؟ فكان رده: أنا فاعل خير. فقط. كلمتان أجاب بهما صانع المعروف محتسبًا أجره عند الله الرحمن الرحيم ، ألا بوركت يا صاحب الخير كفاك الله شر مطارق السوء ، وسددت على الخير خطاك ، وحفظك الله من كل سوء ورعاك ، وبارك لك في صحتك ، وحياتك ، وذريتك ، وجعل الجنة مأوانا ومأواك.)
© 2024 - موقع الشعر