أفسد علي امرأتي! - أحمد علي سليمان

رأتْ في حُسنها الطاغي نصاعة
فجَدَّتْ في الترهُّل والوَضاعة

وقالت: هل ترى في مثل حُسني
تبارك صانعٌ سوَّى الصناعة

وأسواقُ النساء لها رَواجٌ
فهل كسدتْ بها أحلى البضاعة؟

فكيف يُطيقُ صَبٌ شافَ حُسني؟
سيُصعقُ إنْ رمى حُسني شعاعه

تشوفُ الناسُ هذا الحُسنَ لحظاً
وشَوفُ مُحِبِّه سيَظلُ ساعة

وقالت لي: فمن يقوى عليهِ؟
تُحدِّتْني ، وزادتْ في الشناعة

فقلتُ لها: هناك فقيهُ قومي
وعالمُ دارنا ، ليستْ إشاعة

ومن ك (ابن العُمير) أجلُّ شأناً
يُتابعُ سُنة ، ويَلِي الجماعة؟

هبيهِ رآكِ قطعاً لنْ يُبالي
وإنْ حاولتِ جاهدة خِداعه

وإنْ أوغلتِ في الإغراء دهراً
فليس يُصيبُ مِن نظرٍ لعاعة

وإن أقنعتِ بالإغراء قلباً
سيُلقي القلبُ بالحق اقتناعه

سيَعصمُه التقى مِن كل مَيل
وإنْ مارستِ ألوان الخلاعة

وعند الغير حُسنكِ لا يُبارى
وعند العَفِّ ليس له نصاعة

فقالت: سوف أسأله سؤالاً
لأرقبَ عند أسئلتي انطباعه

أتأذنُ لي لأفتنه بقولي
فقلتُ لزوجتي: سمعاً وطاعة

فزانت نفسها ، ومضتْ إليهِ
وأضمرتِ التجرؤ والبشاعة

وقالت: مرحباً بابن عُمير
ولي سُؤلٌ ، وأمتلك الشجاعة

فقال: أجيب إن أوتيتُ علماً
ولي شرعٌ أنا أهوى اتباعه

فقالت: أشتهي حباً ووصلاً
وعشقاً يبتغي قلبي متاعه

وشالتْ عن جمال الوجه سِتراً
فندَّ الوجهُ عن حُسن ، وذاعه

فقال: ألا استري وجهاً تبَدَّى
به افتتنَ الكِتابُ مع اليَراعة

وزادَ: فهمتُ ما ترجين حقاً
وأسألُ مَن شكتْ منها الشناعة

إذا ما مِتِّ ، هل تلقين رباً
بجعل الحب يَفترسُ الضراعة؟

وكيف ترين هذا عند حشر؟
وجاءكِ شُؤمُه يُوليكِ باعه

فأين ضميرُ مُؤمنةٍ تولى؟
عساهُ يعودُ يُهديكِ انتفاعه

أتاكِ هواكِ مُجترئاً غشوماً
يَمُدُّ إليكِ بالسُّوآى ذِراعه

وقلبكِ في سراب التيه جاثٍ
طواهُ الوَهمُ ، فاستحلى وجاعه

وما تخذ النجاة له سبيلاً
فبالعصيان قد فقد التياعه

فقالت: تُبتُ عن غي دَهاني
وأعلنتُ المثوبة والإطاعة

يَمينَ الله وعظك هز قلبي
وناولني الإفاقة والمناعة

فعادتْ والهداية تحتويها
مِن البحر الذي قد غال قاعه

وقاربُ نجْوها أهداه توبٌ
وأهدتْ طاعة المولى شِراعه

فعادتْ للحليل ، وقد أنابت
هو القرآنُ ألزمَها استماعه

وساق لها الحديثُ هدوءَ نفس
فباءتْ بالتبتل والقناعة

وجَدَّتْ في قيام الليل ترجو
وليستْ قط تنقصُها البراعة

وليس تُضِيعُ مِن فرَص أتيحتْ
كفى ما كان منها مِن إضاعة

قد ارتفعتْ بهذا السمت شأناً
وتقوى الله أهدَتْها الرفاعة

فقال الزوج: أفسدَها عُمَيرٌ
وهاجمَ نصحَه ، وهجا اجتماعه

لقد كانت عروساً كل يوم
فعادت عَفة تُبدِي الضراعة

فرُدَّ إليَّ يا(ابن عُميرَ) زوجي
شكا حالي إلى ربي انصداعه

مناسبة القصيدة

(كَانَتِ امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ بِمَكَّةَ ، وَكَانَ لَهَا زَوْج ٌ، فَنَظَرَتْ يَوْماً إِلَى وَجْهِهَا فِي الْمَرْآةِ ، فَقَالَتْ لِزَوْجِهَا: أَتَرَى أَحَداً يَرَى هَذَا الْوَجْهَ لاَ يُفْتَنُ بِه؟! قَالَ: نَعَمْ ، قَالَتْ: مَنْ؟ قَالَ: عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ. (وشُهرتُه عُمَير) قَالَتْ: فَأْذَنْ لِي فِيهِ ، فَلأَفْتِنَّنَهُ ، قَالَ: قَدْ أَذِنْتُ لَكِ ، قَالَ: فَأَتَتْهُ كَالْمُسْتَفْتِيَةِ ، فَخَلا مَعَهَا فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، قَالَ: فَأَسْفَرَتْ عَن وَجْه مِثْلِ فَلْقَةِ الْقَمَر. فَقَالَ لَهَا: يَا أَمَةَ اللَّهِ اسْتَتري ، قَالَتْ: إِنِّي قَدْ فُتِنْتُ بِكَ ، فَانْظُرْ فِي أَمْرِي. قَالَ: إِنِّي سَائِلُكِ عَنْ شَيْءٍ ، فَإِنْ أَنْتِ صَدَقْتِينِي ، نَظَرْتُ فِي أَمْرِكِ. قَالَتْ: لاَ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ إِلا صَدَقْتُكَ ، قَالَ: أَخْبِرِينِي: لَوْ أَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ أَتَاكِ لِيَقْبِضَ رُوحَكِ ، أَكَانَ يَسُرُّكِ أَنِّي قَضَيْتُ لَكِ هَذِهِ الْحَاجَةَ؟! قَالَتِ: اللَّهُمَّ لاَ ، قَالَ: صَدَقْتِ ، قَالَ: فَلَوْ أُدْخِلْتِ فِي قَبْرِكِ وَأُجْلِسْتِ لِلْمُسَاءَلَةِ ، أَكَانَ يَسُرُكِ أَنِّي قَضَيْتُ لَكِ هَذِهِ الْحَاجَةَ؟! قَالَتِ: اللَّهُمَّ لاَ ، قَالَ: صَدَقْتِ ، قَالَ: فَلَوْ أَنَّ النَّاس أُعْطُوا كُتُبَهُمْ ، وَلا تَدْرِينَ تَأْخُذِينَ كِتَابَكِ بِيَمِينِكِ أَمْ بِشِمَالِكِ أَكَانَ يَسُرُّكِ أَنِّي قَضَيْتُ لَكِ هَذِهِ الْحَاجَة؟! قَالَتِ: اللَّهُمَّ لاَ ، قَالَ: صَدَقْتِ ، قَالَ: فَلَوْ جِيءَ بِالْمَوَازِينِ وَجِيءَ بِكِ لَا تَدْرِينَ تَخِفِّينَ أَمْ تَثْقُلِينَ أَكَانَ يَسُرُّكِ أَنِّي قَضَيْتُ لَكِ هَذِهِ الْحَاجَة؟! قَالَتِ: اللَّهُمَّ لاَ ، قَالَ: صَدَقْتِ ، قَالَ: فَلَوْ وَقَفْتِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ لِلْمُسَاءَلَةِ ، أَكَانَ يَسُرُّكِ أَنِّي قَضَيْتُ لَكِ ، هَذِهِ الْحَاجَةَ؟! قَالَتِ: اللَّهُمَّ لَا ، قَالَ: صَدَقْتِ ، قَالَ : اتَّقِي اللَّهَ يَا أَمَةَ اللَّهِ ، فَقَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْكِ ، وَأَحْسَنَ إِلَيْكِ ، قَالَ: فَرَجَعَتْ إِلَى زَوْجِهَا. فَقَالَ: مَا صَنَعْتِ؟! قَالَتْ: أَنْتَ بَطَّالٌ ، وَنَحْنُ بَطَّالُون. فَأَقْبَلَتْ عَلَى الصَّلاةِ وَالصَّوْمِ وَالْعِبَادَةِ. قَالَ: فَكَانَ زَوْجُهَا يَقُولُ: "مَا لِي وَلِعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، أَفْسَدَ عَلَيَّ امْرَأَتِي! كَانَتْ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ عَرُوساً ، فَصَيَّرَهَا رَاهِبَةً). فكتبتُ هذه القصيدة عن هذه القصة الطريفة ، بقطع النظر عن درجة صحتها
© 2024 - موقع الشعر