أماه

لـ أحمد علي سليمان، ، في الرثاء، 0

أماه - أحمد علي سليمان

أماه شمسي في حياءٍ أشرقتْ
أماه روحي للحنايا أرجعتْ

أماه قد زال النوى ، لا تعجبي
أماه والزهرات نوراً أينعت

أماه قد حل الهناء بدارنا
أماه والأحزانُ في سِر نأت

أماه والجلاد ولى مدبراً
والسوط ولى والأعاصير انجلت

أماه والأشباح باتت أنجماً
فينانة خجلى ، وتزهو كالجَمَشْت

أماه والأقمار طلت من عل
والنور في سُبُحاتها لا يلتفت

أماه والأطيافُ قالت تشتكي
خل العنا ، إن العزائم لم تمت

أماه والسيافُ جاثٍ سيفه
في غمده أعطافه قبلُ ارتوت

أماه والصقارُ جار دمعه
يبكي صقوراً للضواحي فارقت

أماه والسجان خاو سجنه
حيطانه كم للأماجد قد أوت

أماه أسرعت الخطا للنور ، لا
أخشى جهالاتِ الظلام المنفلت

حتى شباك الرمس ملت غزلها
وكأنما هي بالتضجر جاهرت

حتى رعود الأمس داعبها الهوى
فوق الجوى للنائبات استعطرت

والنورس الفضي حلق في الفضا
يحتج لو أترابه زمَراً أتت

أماه إني صابرٌ متصبرٌ
أهفو إلى شمس بكربي أشرقت

مهما أرى ، مهما جرى ، مهما بدا
مهما ألاقي من حياةٍ قد عصت

أماه لا ، لليأس ، للأتراح لا
للكرب للأحزان لا مهما حلت

قلبٌ كقلبي لا يسليه الأسى
روحٌ كروحي لا يزكيها شمت

نفسٌ كنفسي هل يداوي جرحها
وهمٌ به الأسقام والعدوى انزوت؟

والنفسُ إن ضلت ينابيع الهدى
أو باعت التقوى بدنيا قد عمت

والروحُ لو للنفس تحيا عمرها
مأجورة للشر في نار هوت

أما إذا عاشتْ لتعبد ربها
فازت بآخرةٍ ، وسادت لم تمت

لا يأس إن دمعتْ عيوني ساعة
حتى ترى في الأفق أطياراً شدت

لا ضير إن غابت غرابيبُ الفضا
حتى ترى غِيداً به قد حلقت

هيهات أن يطغى الفتى مترسلاً
ويروم جناتٍ بأخراهُ انتشت

أماه ساعاتي هنا معدودة
وعقاربُ الساعات في الأيدي جرت

إني إذا راقبتها ألفيتها
تسعى تلوك الوقت ليست تلتفت

أماه لو عمر الفتى أغرودة
ما كان أن تلقى لها أذناً صغت

لكنما شيطانه أوحى له
أن الخلود لذاته روحٌ سمت

أيامنا أعمارنا نحيا بها
أفراحنا وجراحنا هذي انقضت

أما عن الدنيا فيكفي أنها
مضمونها يومان: يومٌ أقبلت

ثم انقضى إقبالها في برهةٍ
وتلاهُ يومٌ قبل أن يأتي جلت

دنياك يا إنسانُ لا تأمن لها
غرّت كثيراً من نفوس أوغلت

كم ذا يذوق المرء فيها من شقا
ويذوق كيد القوم فيها والعنت

والخير كل الخير في إهمالها
يا ليت قلبي منك يا دنيا انفلت

والخيرُ كل الخير في درب الهدى
وجزاء هذا جنة قد أزلفت

© 2024 - موقع الشعر