من نزيف الفرات

لـ الطاهرة حجازي، ، في الرثاء، 22، آخر تحديث

من نزيف الفرات - الطاهرة حجازي

من نزيف الفرات
على نهر دجلةَ ركبتُ
واستوقفني الفراتْ
إليه السمع أصختُ
أذهلنِي تأَفّفُهُ من الحيَاةْ
وحينَ عنْ ذاكَ سألتُ
قال:
في غيّابِ القوميّةِ
استساغَ التّتر مهاجمتي
ضياعَ أحصنتِي
جُبتُ محاكمَ الدُّنْيَا
اشتكِي مظالمهمْ
كيف قَهرونِي ؟
استنفَذت ذرائِعِي
فاستَهزؤواْ
لم يعبأواْ
وَاصلُواْ غيَّهُمُ الجناةْ
 
حيرني الفرات وتاريخ الفرات
أَيْنَ السَّيْفُ ؟
ضاعَتْ شَفْرتُهُ
هلْ تأكلُ من صدإٍ
هلْ بَتَرتْهُ السَّخَافاتْ
أمْ هيَ الفطائِرُ
لمْ تستحسِنْ عجائنهَا
مخَرَهَا ألفُ ثُقبٍ
من لَدْغِ السِّياساتْ
 
جبتُ و جُبْتُ
كُلّ شِبْرٍ من بغداد
يلتحِفُني الماضي بهَا
ومئزَري تنسجهُ البُطولاتْ
الآشوريون. البابليّونْ
الشُّورَى
ومن كل التّجمّعاتْ
وحدة منَسَّقةٌ
صرتُ أبحثُ عنهَا
في كلّ درب
في كل حي
أتمحَّصُ في الوُجوه
يستوقفني الغيّابُ في المطافاتْ
خريطة مدمّرةٌ
تُرَصّفُ لُهاثَهَا
والنزِيفُ يَسرِي
في كلِّ الاتجاهاتْ
أوْديَّةٌ غاضَتْ
ألوِيّة بادتْ
كثبانُ رملٍ
لمْ تسعفْهَا الرّيحُ
درتْهَا وهيَ ترْشُق الرّمَاحَ
في قلبِ الفُصحَى
والمَعرِّي يستنكِرُ
والمتنَبِّي يَموجُ
وفي السُّخط رغْمَ سفْكهِ الدماء
الحَجّاجُ يصيح:
كفى كفى
في الدّرَكِ الأسفلِ القومُ أمواتْ
وانبِراءُ الأباطِرةِ
يتَقدَّمُهُم الرّشيدُ
يستفْسرُ العجبَ
مشدوهاً
في مضامِين التّحوّلاتْ
 
والمأمونُ في بيتِ الحِكمَةِ
يتفحّص المتُونَ
منْ دفاترِ العباقِرَةِ
يُرَجِّحُ المسْتحِيلَ
في مغالقِ الاستفهاماتْ
والعبَّاسُ على صهوتِهِ
يبتٌرٌ الخوفَ
يذْرَعُ القُوّةَ
في سقفِ الغضبِ
يزْبد يُرْغِي
مِنْ تخاذُلِ الإراداتْ
 
كُلُّ معالم الدّنْيا ردّدَتْ
شهِدَتْ
خَرّتْ جِباهُها
من ذاكرةِ الاندِهَاشاتْ
إنّمَا في تدَاوُلِ الأيامِ
مسابحنا غرقى
في قانونٍ مَنْ لا يحْسِنُ
ضبْطَ الحِساباتْ
 
حسابات أُمَّةٍ
في القيظِ ثائرَةٍ
في الثلج جامدةٍ
انطَفَأ لهيبُهَا
تأرجحَ القصدُ بهَا
واختلَّتِ الغاياتْ
 
تبرأَ العباسُ
تبرّأَ الرّشيدُ
استنكَرَ المأمونُ
صاحتْ شجرةُ التفاحِ
تجَنَّدُوا للشيطَانِ
فقميص يوسفَ لمْ يُدرّج بِدمائهِ
وقَديماً
حيكتِ المِؤَمراتْ
 
وشيطانُ الغربِ
في حديثِ النَّمْلِ
منْ كُلِّ جُحرٍ
يَسْتقطِبُ المدرّجاتْ
يُرَغِّبُ يرَهِّبُ
يحرّكُ دواليبَ الأرضِ
يحجّمُ في الرّغبةِ المسافاتْ
 
حركةٌ مدروسَة مخْرجنا
تدمِّرُ معاقِلَنا
تِؤَسّسٌ دواخلنا
وفي الرِّيحِ
تذرو سُخفَ التوجُّهاتْ
تجلُو لمَرَيَا الفكر
كيفَ نحنُ أموات ؟
وكيف فينا
يُبْعثُ قانُونُ الحياةْ
© 2024 - موقع الشعر