رسالة من خلف الجداريُقال بأن هذه الأرض لنامع أنها جرداءحتى السماء نسيتهاهكذا أرادتها يد اللههكذا يقول أبيجرداء هي نسيمات الهواءجرداء هذه الأرض التي تأويناجرداء هي ذرات التراب الحمراءلونها بلون الدمحتى الدموع تموت قهرا هنا!الأحاسيس لا جدوى منهاسقطت في ظلام الحقدوهذه الشمس تحرقنيوالدي يصرّ على البقاءيقول أنّه يريد المكوث في هذا المنزليريد العيش والموت فيهحتى العصافير لا تمرّ من هنا!مسكين أبييجهد عبثالا يمكنه استصلاح أراضيهجرفوها فلا تعطيه شيئاقطعوا عنها المياهقطَّعوا أشجار الزيتونمنعوه حتى من الذهاب إليهاوهو يصرّ على البقاء!لا أفهم هذا التعلّق بالأرضونبقى نحن معهويبقى لنا الإيمان…ذات يوم سنستصلح أراضينايقولها دوما أبيهو مقتنع بذلكوعليّ أن أقتنع أيضافهو محقٌّ دومايردّد بأننا ولدنا هناهنا وجدنا لنعيشهنا سنبقىوهنا نموت!كثيرون رحلوا وتركوا منازلهمإنما هو يرفض الرحيلحتى لو اضطر لمعانقة الترابوكأن الهواء يحقنه بالإرادةوأي إرادة!يخرج يوميا بحثا عن عملويعود مساء بقوت زهيديعود مكسور الجناح والخاطرويخرج في اليوم التالي وكلّه أمليغمض الجفنيهمس لربه كلمات لا تُفهَمويخطو مفعما بحسن الإرادةومع ذلك نبقى بلا كلأ!عادته اليومية لا تتغيّرومحصوله دوما زهيدحتى هو يفقد الإيمان أحياناأذكر دموعه لسنة خلتهو المجبول بالشدّةلم أره باكيا يوماذاك النهار رأيته يبكيكان ذلك عندما أخطروه بالجداروُجِبَ عليه التخلي عن أراضيههذا الجدار اللعين رمانا في الحضيضفصلنا عن حياتنافصل عنّا حياتنايعاملوننا كالحيواناتأصبحنا بلا إعالةالربّ كبير صرخ بوجههماستشاط غيظا أمامهموبكى حرقة أمامنابكى بمرارةبكى لعجزهوبكى غيظاالرب يرى كل ذلكسيحقق لنا العدالة...لم أرها بعد تلك العدالة!تساءلتُ... متى ستتحقق؟كم من الوقت يلزمه لتحقيقهاولا زلت أنتظر الجواب!والدي يؤكد بأن العدالة آتيةوعليّ أن أصدّقههو العالم بكل شيء!سمعته مرارا يتكلم مع ربّهما فهمت حديثهما يومالكنني متأكد بأنه يستمع إليهوعده حتما بالعدالةوإلا لما أكد لي ذلك!مسكين أبي...كم مرة عاد مرهقامن دون طعاممن دون ضحكةمن دون درهملكنه لا يفقد الأمليقول بأن هذه الأرض مباركةلكني لا أرى شيئا مباركا فيهامعدتي تؤكّد ذلكالجدار يؤكّد ذلك!هو يقول بأن الناس طيبونيريدون مثله العيش بسلاممثله يريدون استصلاح أراضيهمبلا حروببلا قنابلبلا بغض...لكني أراهم صامتينلقلة حيلتهملحزنهملفقرهمهم صامتون برغم القهربرغم الجوعبرغم الكوارث والنكباتوبرغم انتفاء العدالةربما هم أيضا ينتظرون العدالة!تساءلت... من يزرع الحقد؟سابقا لم أكن أعلم...لم أكن أفهم...أما الآن فقد تأكدتإنه الجدار البغيض!حَرَمَنا من استغلال رزقنالولا الجدار لعمل أبي بجَدٍّلتمكن من إحضار الطعامأبغض هذا الجدار!أوَدُّ لو أحطِّمهحتى قبل أن يفعل الربّقد لا يشعر بمعدتي الخاوية!أوَدُّ التقيّؤعلى هذه الأرضعلى هذا البيتعلى الجداردوما هذا الجدار اللعين!أبغض الجدران المرتفعة بوجه الأحلاميمنعون العصافير من المرورووالدي يأمل دوما...يقول بأننا إخوةرجال هذه الأرضإنما الإخوة لا يتقاتلون!لا يُنَمُّون الحقدولا يبنون الجدران الشاهقةملعونة تلك الجدران الفاصلة!الإخوة لهم نفس المشاعر... يقولنفس الإيماننفس المحبةنفس الوطنونفس الميتة…وأعطيه كامل الحقّنفس الميتة ليس أكثر!إنما هنا نموت تحت الشمسمن دون دمع!أبي ينهرنا بألا نبكيحتى الصغار في هذه الأنحاء…يحرمون من البكاء!ربما لهذا تخلّت العصافير عنا!رأيتهم يبكون صغارهمالكل هنا يتساوى...يتساوون في الفقرفي الكوارثفي الموت...ولا أحد يبكيهم!أبغض السماء الماطرة حقداأبغض الهواء برائحة الحدادأبغض التراب باحمرار الدمأبغض الشمس في المغيبتأتينا مع الظلمة بالقنابل والموتوأبغض البحر البعيد...أبي أيضا يبغضهيقول بأنه يأخذ الناس بعيداالموج له هدير الرحيلوهو لا يحب الرحيلمن يرحل يموت… يقول أبيالبحر يأخذ الناس إلى غير عودةيفصلنا عنهم كالجدارلهذا أيضا أبغض البحر!من يرحل يموت… أنا متأكديفقد أيضا منزلهيفقد اسمهيفقد الأرض…من يرحل يفقد الدمع والأحبابلهذا يصرّ والدي على البقاءيخشى أن يفقد اسمهولا يريد أن يفقد المنزللا ولا حتى الأرض!أنا أيضا كوالدي…لا أريد أن أفقد اسميولا الدمعولا العصافيروأودّ…نعم أودّ أن أعيش بسلام!
عناوين مشابه
أحدث إضافات الديوان
إضافة تعليق - (( user.name )) - خروج
ادارة موقع الشعر (( comment.message.user.name )) (( comment.message.user.name ))
(( comment.message.text ))
لا يوجد تعليقات.