متشاعرون - أحمد فراج العجمي

مُتشاعرونَ
2019

يا شِعرُ مالَكَ قد غدوتَ عنيدا؟
والقومُ حولي أكثروا التّرديدا

وتسابقوا في الهَذْرِ حتّى إنّهم
في كلِّ يومٍ يكسِبونَ حُشودا

والنّاس لا تَدري أشِعْرٌ إفْكُهم
أم هل يُسَمّى ما يُقالُ قَصيدا

الشّعرُ مثلُ الصُّبحِ تُشرِقُ شمسُه
في كلِّ يومٍ كي يكونَ جديدا

واليومَ أصبحَ إن أردتُ خلودَه
قلَقًا وحُزنًا قولُهُ وقيودا

يا شعرُ كم كنتَ النّجومَ مَكانةً
وأقمتَ ركنًا في الإباءِ شديدا

ومسافةَ الأحرارِ نعبرُها كما
عبرَ الضياءُ نوافذًا وسدودا

وبنيتَ صرحَ الحبِّ موثوقًا وفي
ساحِ المحبّةِ كم غدوتَ شهيدا

وحَطَمْتَ أغلالَ الورى وأذقتَ مِن
سُنَنِ البُطولةِ والعَلاءِ خلودا

والآنَ تلعبُ بالقلوبِ مُصَوِّرًا
نَعْيَ المشاعرِ والبُكاءَ نشيدا

ويَزِفُّ رايتكَ الوضيعةَ طُغْمَةٌ
متشاعرونَ تملّقوا التّمجيدا

دأبوا على صَبغِ الشّعورِ وأتقنوا
فنَّ الخداعِ وعاقروا التّأييدا

لا روحَ في إبداعهمْ فكأنّهُ
مسخُ الوجوهِ تعفّنتْ تقليدا

يدْعونهُ بَعثًا ومِن هَذَيانِهِ
لَعَنَ اللبيبُ الشِّعرَ والتّجديدا

يَتَغَزَّلونَ كَصِبْيَةٍ رُعْنٍ وقد
رَسَمَ الزّمانُ بِوَجْهِهم أُخدودا

يأتيكَ واحدُهم يَجرُّ حروفَهُ
جرَّ الجَبانِ رأى الهلاكَ أكيدا

لم يستجبْ لضميرِهِ حتّى غدا
في كلِّ بيتٍ فاجِرًا عِرْبيدا

قاموسُهُ خِصْرٌ ونَهْدٌ قَلْبُه
من غَيِّهِ عبدَ العيونَ السُّودا

ويَبُثُّ ظُلْمَتَه كأفْجَرِ ناقِمٍ
كي ما يرى النُّورَ الشَّجِيَّ بَعيدا

ويَشيدُ أسوارَ السّجونِ ويَبْتَني
قَصرًا مَنيفًا للضّلالِ عَتيدا

والمالُ قِبْلَتُه بأبخسِ حِسْبَةٍ
يَعوي فيُحسَبُ فارِسًا صِنْديدا

يغترُّ بالشّاشاتِ يلمعُ خلفَها
لمعَ السرابِ تملُّقا وجُحودا

قد كنتُ أحسِبُ أنّ كلَّ قصيدةٍ
في الكونِ صرحٌ والنّشيدَ مَجيدا

فإذا منابرُهمْ فمٌ مُتَلَوِّنٌ
جعلَ القصائدَ شُهرةً ورصيدا

الشّعرُ وحيُ النّورِ لا وحيُ الدُّجى
هو شُعْلَةٌ تَدَعُ الشَّريدَ رشيدا

يا شِعْرُ حَسْبُكَ من فؤادي أنّه
في كلِّ بيتٍ نازفٌ تنهيدا

في كلّ معنًى صادقٍ ترنيمةٌ
شجوى تسامتْ بالجمالِ صعودا

ويسافرُ الحرفُ العَلِيُّ مُحَلِّقًا
ويفوتُ في القاعِ السَّحيقِ عبيدا

ونقول، يحسَبنا الظّلامُ ذُبالَةً
خرقاءَ تسكُنُ ظلَّهُ الممدودا

فإذا هي الشّمس المهيبَةُ أشرقَتْ
لِتَهُزَّ أركانَ الخضوعِ عهودا

وإذا النّجومُ تكاثرَتْ وتجمّعَتْ
وتلألأتْ في كَرمتي عُنْقودا

وإذا قصيدي الفَجُرُ يَرْتُقُ خيطُه
حلمي فأُزْجي في السّماءِ بُنودا

وأَسيرُ لو كانَ العَداءُ مَواكبًا
تَتْرى وشَطُّ الراحِلينَ بَعيدا

أو أن صُحْبتيَ الذِّئابُ ومَوْطِئي
بِئْرٌ أُوَزِّعُ في السُّهولِ وُرودا

وأرُشُّ مِن وَهْجِ المعاني دُرَّها
كم كنتُ للشّعْرِ البَهِيِّ مُريدا

مَن قالَ إنّ الشّعرَ مَحْضُ تنهُّدٍ
الشِّعْرُ يولَدُ قائدًا وجنودا

والشّاعرُ الحقُّ الذي وَهَبَ الرُّؤى
والفكرَ كي يَلقى الجميعَ سعيدا

إن لم يكن لكَ في الوجودِ منارةٌ
فاجعلْ لنفسِكَ موقِفًا مَحمودا

والنّاس موتى رائحونَ بميّتٍ
والآخرونَ يمهدونَ لُحودا

© 2025 - موقع الشعر