سفينة وسفينة! - أحمد علي سليمان

شتانَ بين الطهر والإسفافِ
والوعيُ أخبَرُ بالدليل الوافي

الطهرُ يبقى بعد رحلة أهله
والرِّجسُ يَفضَحُ أهله ، ويُجافي

شتان بين سفينةٍ وسفينةٍ
هل غابة كالروضة المئناف؟

فسفينة (نوحٌ) تَكلفَ صُنعها
موسومة التصنيع والأهداف

وبوحي رب الناس كان بناؤها
معروفة الأبعاد والأوصاف

حملتْ بأمر الله أضخم حِملها
والموجُ كالأجبال في الرَّجَّاف

وجَرتْ ، ومُجريها الخبيرُ بشأنها
سبحان ربي ذي الجلال الضافي

ورسَتْ على (الجُودِيِّ) أرساها الذي
خلقَ الأنامَ ، اللهُ ذو الألطاف

والظالمون المشركون ، فأبعِدوا
أقصاهمُ المولى المليكُ الكافي

هل هذه يوماً ك (تايتنك) الألى
عَمدوا إلى الإفساد والإسفاف؟

بئس السفينة جاهرتْ بفجورها
وتحدتِ المولى بكل تجاف

وتحَدَّتِ الأقدارَ دون تحفظٍ
وأوتْ إلى التبجيل والإسراف

إذ راهنتْ دوماً على تصنيعها
والحِذقُ في التصنيع ليس بخاف

وتعلقتْ بالخلق في إبداعهم
وتفاخرتْ بالسادة الأشراف

وتقسَّمتْ غرفاً بضاعتُها الهوى
ولهزلها كلُّ القلوب هواف

في غرفةٍ سُكْرٌ تدُورُ كؤوسُه
وقد احتوتْ طبعاً لذيذَ سُلاف

أما الزناة فمارسوا في غرفةٍ
عُهراً مظاهرُه بدتْ ، وخوافي

وقمارُهم في غرفةٍ حَمَتِ الربا
فيها تُبَدَّدُ ثروة المستاف

وسباحة الرُّكاب في أحواضهم
ونساؤهم يَختلن في الأفواف

ومَراقصُ الأقوام تختِلُ ناظراً
فالعُريُّ مُحتفِلٌ بجُعر هِتاف

لا شيئ يسترُ راقصاتِ مُجونهم
بدءاً من الأعناق للأرداف

عفواً إذا صَرَّحتُ ما هو دَيدني
لكنْ كرهتُ تبجُّحَ الأجلاف

عَرَّوا نساءهمُ بدون مُبرِّر
متصنعين فضولَ الاستخفاف

عجباً لأعطاف النساء تشَلحَتْ
أوَليس مِن أهل لذي الأعطاف؟

وتعَرَّتِ الأكتافُ في سُوق الخنا
أوَليس مِن خُمُر على الأكتاف؟

وعلى السفينة مَرسمٌ مُتهتكٌ
رسامُه متخبط أو غاف

اعتاد رسمَ العارياتِ بلا حيا
بالفحم يرسم لاهثاً ويوافي

لا يستر الغيداء إلا تُوكة
في شعرها ، عجباً للاستظراف

ماخورُ إغواءٍ يُصارعُ بَحرَه
هذي السفينة مَدفنُ الأضياف

وتريدُ مِن ربِّ السماء نجاتها
وتسيرُ في كِبْر وفي استشراف

مَخرَتْ عُبابَ الماء ، لم تعبأ بهِ
والماءُ مثلُ الوابل الغرَّاف

حتى إذا اصطدمتْ بصخر جليدها
بلغتْ نهايتها بغير عَوافي

جبلُ الجليد أذاقها جبروته
واللهِ ما استويا سَوا وتكافي

هو شقها نصفين دون تردُّدٍ
أما الشِّراعُ ففوق سطح طافي

ونجاة (رُوز) وحدها مقصودة
ورحيلُ (جاكٍ) غاية الإنصاف

حتى تُعانيَ وحدها ما قدَّمتْ
من سيئ الأخلاق والأعراف

شتان بين سفينةٍ موعودة
بنجاتها ، وعدَ الإله الكافي

وسفينةٍ كفرتْ بأنعُم ربها
فأذاقها منه الدواءَ الشافي

مناسبة القصيدة

(سفينة (التايتانيك) صنعها مئات الأشخاص. وقال قائدها: حتى القدر لا يستطيع إغراق هذه السفينة. فغرقت في أول رحلةٍ لها. بينما سفينة نوح عليه السلام صنعها شخص واحد ، وقال: (بسم الله مجراها ومرساها). فغرق العالم كله وهي الوحيدة التي نجت. عليك أن تعرف لمن تلجأ ، وبمن تستعين ، وبمن تُعلِّق قلبك ، وعلى من تتوكل ، وإلى من تتجه. قال تعالى: "وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ". أما سفينة نوح صلى الله عليه وسلم فقد خلدها القرآن ، كما خلدتها السنة. فأين من أين؟ أين سفينة نوح - عليه السلام - تلك السفينة التي صُنعت على عين الله تعالى وبإرشاد وتوجيه ورعاية منه ، تلك السفينة التي تحرسها الملائكة بأمر ربهم تبارك وتعالى ، سفينة النجاة والتسبيح والتكبير والتحميد والبركة والنماء ، التي كتب الله لها السلامة لتبدأ البشرية بعد رسوها على جبل الجُودِي – عهداً جديداً. أين سفينة بهذا القدر من سفينة التايتانيك ، سفينة الهلاك التي اتخذت من السفول والإباحية والانحطاط سبيلاً لها؟ تلك السفينة التي كانت تحرسها الشياطين وترعاها العفاريت ، وليست من رعاية الله ولا من حفظه في شيء. أين سفينة السفول والتهتك تلك من سفينة الإيمان سفينة نوح النبي الرسول – صلى الله عليه وسلم -؟)
© 2024 - موقع الشعر