زوجتي أحيتني وماتت! - أحمد علي سليمان

يا زوجتي العَصما عليكِ سلامي
مُتوشحاً بتوجُّدِي وغرامي

مازلتُ أذكرُ ما بَذلتِ رضية
والبذلُ يأسِرُ صَفوة الآنام

مِن يوم عُرسكِ والجمائل تزدهي
وتميسُ في بُحبوحة الأنسام

علمتِني معنى الحياة وأنسِها
وغمرتِني بمحبةٍ ووئام

لمَّا أعُدْ ب (الفوضَويِّ) لحيظة
لقبٌ جنيتُ به أسى استِذمامي

لولا التخبُّط في متاهات الهوى
ما نال من عِرضي لظى إجرامي

فأتيتِ لي في ذي الدَّغاول نجدة
فأخذتِ بالأيدي وبالأقدام

أنقذتِني مِن خيبتي وضلالتي
وهديتِني لحقيقة الإسلام

فعرفتُ قدرَكِ ، واحترمتُكِ حِسبة
يا فخرَ أهل طيبين كِرام

وصَبغتِ عيشي بالمودَّة والهنا
والقلبُ ودَّعَ سيئَ الآلام

أكملتُ تعليمي ، ونِلتُ شرافتي
وعَلتْ كذلك رُتْبتي ومقامي

ووعيتُ مِن قرآن ربي حِصَّة
وغدَوتُ بين الناس خيرَ إمام

ورُزقتُ منكِ ثلاثَ غاداتٍ يَقم
ن بواجبي – والله – خيرَ قِيام

ثم اشتكيتِ صُداعَ رأس قاتل
مُتدثر بتوجُّع وحِمام

ورحلتِ عنا دون أي توقع
والعيشُ أظلمَ غاية الإظلام

أنا والبناتُ نحِب قربَ خليلةٍ
وفراقها ما كان في الأحلام

قالوا: تزوجْ! قلتُ: ليس كمثلِها
فضلى ، فكفوا اللومَ يا أقوامي

سأعيشُ تملؤني بناتي عِزة
الأهلُ هُن ، وسائرُ الأرحام

ولأمِّهن جميلها وعطاؤها
والرَّدُّ دَينٌ مُفعمٌ بسلام

ماتت ، وأعطتني الحياة ، ولم أكنْ
أحيا لأي مَطامح ومُرام

للهم فارحمْها ، وأعظِمْ أجرَها
واغفرْ لها ما كان مِن آثام

مناسبة القصيدة

(كتب أحدهم ، وهو من سكان مكة المكرمة: انفصلت أمي عن والدي وسافرت إلى أهلها مسافة 1200 كم ، وكان عمري أربع سنوات ، عشت الضياع متنقلًا بين بيوت أعمامي إلى أن وصلت سن ستة عشر سنة ، وانفصلت من المدرسة بسبب سلوكي الإجرامي ، وبعدها حصلت على لقب: {الفوضوي}. ولقد أتعبت والدتي بالمشاكل! قدّمتُ في دورةٍ تأهيليةٍ وتخرّجت برتبة ساعي بريد فقط ، بدأ وضعي يتحسّن ، خطب لي والدي بنت عمي ، دون أن يستشيرني ، وهي معلمة دين ، طبعاً وافقت لأني لازلت أحمل لقب {الفوضوي} ، ومن يزوّج الفوضوي؟ ولم أكد أصدق أن أحداً يزوجني ، ولا أخفيكم كنت طمعان في راتبها! المهم تم الزواج وكان هذا عام 1428 هجرية ، ودخّلوا عليّ زوجتي قبل الفجر بساعتين تقريباً! فسلّمت عليَّ وسألتني عن حالي ، وهذه أول مرة يسألني أحد عن حالي ، بدّلت ملابس الزفة ، وتوضَّأت وطلبت مني أن أتوضأ ، توضّأت ورحنا المجلس! طلبت مني أن أصلي بها وتلعثمت ، آخر صلاة صليتها قبل سبعة أشهر في رمضان. المهم الله ساعدتني وصلّيت بها ركعتين ، قالت لي: باقي ساعة ونص على الفجر ، ما رأيك نذهب لنصلي في الحرم ، وبعدها نأخذ فطوراً ونفطر وننام؟ طبعاً وافقت ، ولو تطلب أي شيئ راح أوافق ، من تتزوج {الفوضوي} وعندها راتب؟ الله يسّرها ، وصلّينا الفجر ، وهذه الصلاة التي قلبت حياتي مائة وثمانون درجة درجة ، صلّى بنا الشيخ الشريم أنا لا أعرفه ، هي قالت لي اسمه ، قرأ في الركعة الأولى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ، رحت في عالم ثاني وقلت في نفسي: والله أنا المقصود! خلّصنا صلاة أخذنا فطور ونمنا ، بعد أسبوعين قالت: ما رأيك أراجع معك القرآن؟ أي قرآن يا بنت الحلال؟ كل الذي أحفظه أربع سور ، الفاتحة والإخلاص والمعوذتين ، وبقراءة مكسرة! حفّظتني جزاها الله خيراً عدداً من قصار السور! بعدها عرفت أن هناك حلقة تحفيظ في الحرم بين المغرب والعشاء ، فطلبتْ مني أن أسجل فيها! طبعًا وافقت ، ولو تطلب أي شي راح أوافق ؛ زوجة مثالية في كل شي! كنت أقول هذه حرام يأخذها واحد فوضوي مثلي ، كل ما يبحث عنه الرجل فيها ؛ عقل ، دين ، جمال ، بنت ناس وراتب! صرنا نروح كل يوم قبل المغرب ، نصلي المغرب ، وأنا أروح حلقة التحفيظ وهي في قسم النساء! بقينا على هذه الحالة حتى حفظت ثلاثة عشر جزءً ، كنت سريع الحفظ وصوتي حلو! وجاتني ترقية في مدينة أخرى بعيدة عن مكة. كنت أتحيّن فرصة غياب إمام مسجدنا وأصلي بدلاً عنه إماماً للمسجد! وفي هذه الفترة ألحّت علي زوجتي حتى أكملت الثانوية (مسائي) ، ثم ألحّت علي وقدّمت في الجامعة منتسب في كلية الشريعة! وتفاجأت في أحد الأيام بإعلان وظيفة إمام وخطيب جامع ، وتم بحمد الله تعيني إماماً وخطيباً في مسجدٍ صغير وكان هذا عام 1433 هجرية ، وهناك تفاصيل كثيرة جداً أختصرها! أصبحت زوجتي عندي بالدنيا ، ولو تطلب عيوني أعطيها. تحوّلت من [الفوضوي] المشرّد في الشوارع إلى خريج كلية شريعة ، وإمام وخطيب! فمن يصدق هذا؟ ولكن الصدمة التي لا أنساها كانت عام 1438 هـ حيث كانت تشتكي من صداع شديد ، وتبيّن بعد ذلك أنه ورم في الدماغ ، لم تُكمِل سنة مع هذا المرض ، وانتقلت إلى رحمة الله. ولي منها ثلاث بنات نسخة من أمهم! وبعدها بسنةٍ طلب إخواتي أن يبحثوا لي عن زوجةٍ ، فرفضت رفضاً قاطعاً ، وقفلت هذا الباب لأني سأظلم الزوجة الجديدة ، وقلت لهم: رحلت وعوّضني الله بثلاث! باختصار ، زوجتي أحيتني ثم ماتت. حوّلتني من [الفوضوي] إلى رب أسرةٍ جامعي ومحل تقدير الجميع في عملي! وصدق الله: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرحيم). فمن أجل اعتراف هذا الزوج المخلص بجميل امرأته عليه كانت هذه القصيدة ، تمتدح الإخلاص من جهة ، وتحض الآخرين عليه من جهةٍ أخرى! والأمر على قاعدة: لا يشكر لله من لا يشكر للناس! إن ثقافة الشكر لا تصدر إلا عن أناس طهرت نفوسهم ، وأدركوا ما للآخرين عليهم من حقوق ، فراحوا يقدرونها ويشكرون لأصحابها! ثقافة الشكر ، تلك الثقافة المهضومة المظلومة في زماننا! حيث ما عدنا نجد كثيراً من هذا الصنف من الناس! وكأنه انقرض ، وكبرنا عليه أربع التكبيرات التي لا سجود لهن! وعموماً ندرة الشيء لا تعني انعدامه! نسأل الله سبحانه العفو والعافية!)
© 2024 - موقع الشعر