يا عباد الله فاحكموا! - أحمد علي سليمان

هدادَيكُمُ الحقُ استبانَ بمَعْلمِ
ولمَّا يعُد يُجدي قليلُ التوهمِ

تفطنَ مخدوعٌ ، وأيقنَ واهمٌ
وأبصرَ بالعينين يا ناسُ مَن عمي

غدا شاعراً مَن كان بالأمس طالباً
وأمسك في يُمناه أشرسَ أسهُم

وكل الذي يُروَى يُغربَلُ نصُّهُ
وفي كل فن دَقَّ أو متردم

وأضحى خطيباً مُصلِقاً في خِطابه
فتىً مفصِحاً كم وَصَّفوه بأبكم

ففيم التجني ، والحقائقُ أفصَحَتْ؟
وفيم التدَسِّي بالكلام المُنمنم؟

قصائدُ (زيدٍ) تلك بالضاد دُوِّنتْ
بلهجة أوس ، أو زيادِ بن جُرهُم

وأشعارُ (عَمْر) لم تُخالف عن الهوى
فعَمْرو سليلُ العُرب واللهِ حضرمي

وما كان بالأمس القريب مُطلسماً
نراه ببذل الجهد غيرَ مطلسم

وكل قريض كان بالأمس مبهماً
وجدناه سهلاً واضحاً غيرَ مبهم

وأمرُ (نِزار) ليس قط بغامض
ورُوجعَ لم يرجع ، ولم يتندم

وما كان مني في الطريقة لحظة
وما كنتُ يوماً للمغالط أنتمي

فشتان بين المرء يأسِرُه الخنا
فيطعنُ أوتادَ المعالي بمِخذم

وآخرَ بالأخلاق يسمو ويرتقي
ويُمسي بتقوى الله خيرَ مُعَلم

تفقدتُ شعري واعتنيتُ بحَبكهِ
وخيَّرَني شِعري ، فقلتُ له استمي

وعاهدتُ ربي أن أذودَ عن الهُدى
فإن دفاعي عنه أثمنُ مَغنم

فضمَّختُه بالحق والعدل حِسبة
وقلتُ: أصونُ الشعرَ بالرُّوح والدم

ولم أستبحْ بالشعر حُرمة مؤمن
وما كشَّفَ التقصيدُ عَورة مسلم

وأما (نِزارٌ) فاستباحَ مبادئاً
ولمَّا يكنْ فيما استباحَ بمُرغم

تتبعتُ أشعارَ السفيه بحَيدةٍ
لوجه إله الناس لا وجهِ درهم

فمعظمها فِسقٌ يُخامرُه الهوى
يسوقُ بلا شكٍ لقعر جهنم

يقول بموت الله ، أعظم فِريةٍ
بلفظٍ شديد الوقع بال مُذمم

وللكاذب المحتال آلهة عَتتْ
يُعَظمها ، والعبدُ غيرُ معظم

يقول القرى اغتالتْ على الفور ربَّه
فهل شافتِ الدنيا لذا الكفر مِن سَمي

يقول بذبح الله مِن بعد شنقه
تعالى مليكُ الناس عن قول مجرم

ويعشقُ للكفر المُزخرَفِ نكهة
فلا طابَ يا عبدَ الهوى أيُّ مطعم

وينشدُ رباً لا يُطاردُ شخصه
فمن ينطلقْ في عيشه يتنعم

ويرجو ملائكَ حُرة في غرامها
كما يحتفي بالحب إحساسُ مغرم

وعند اللعين الربُّ يعشقُ غادة
ككل إلهٍ في الأحاجي مُتيَّم

وعند الكفور الربُّ يأكلُ عبدَه
ألا إن هذي فرية المتجرِّم

ويزعُمُ أن الله يبحثُ جاهداً
عن الجنة احتاجتْ لضوءٍ وسُلم

ويُوقِنُ أن الجنس دينٌ ومنهجٌ
فمن يركبِ الفحشاءَ يُفلحْ ويغنم

ويذكرُ أن الله لا يَعرفُ الذي
تخبَّأ في قلب ، فيا للتبرُّم

ويُعلِنُ أنْ سجادة للصلاة مَن
أحب من النسوان ، يا للتجهم

ويجهرُ أن الله باق بحجرةٍ
يدبرُ أمرَ الخلق في قعر قمقم

ويزعمُ أن الله أعطى نبيذه
ليَسكرَ عِربيدٌ ، ويَرشفَ بالفم

ويَنسب للجبار حُزناً ونوبة
يلِيها بكاءٌ في شديد تألم

ويزعمُ أن الله خلى طعامَهُ
كأن الإله الحق ليس بمُطعِم

وينسبُ للخلاق نسيانَ ضاده
ومن يهجر التقوى يُخرِّفْ ويَزعُم

ويزعمُ أن الله يَسقط من عل
فقبِّحتَ من مستهتر مُتهكِّم

وليلاه حاكى وجهَها وجهُ ربه
جمالاً وحسناً ، يا لإفكٍ مُهذرم

ويزعمُ أن الله فرَّ من الورى
فإن لقا أهل الأذى جدُّ مُؤلم

عدا ما افترى من ساقط القول فاحش
بلهجة مرذول حقير وأيهم

وشِعر إباحي تبدَّى سُفوله
وذُكِّرَ لم يذكُرْ ويَظفرْ بمَندم

ألا فاحكموا أنتم بعدل ، وأنصفوا
ومَن جانبَ الحُسنى يَضِعْ ثم يَظلِم

على المفتري حتماً تدورُ دوائرٌ
ولا ينصرُ المولى أضاليلَ مجرم

© 2024 - موقع الشعر