بداوة الصعيد! - أحمد علي سليمان

بَدْوُ الصعيدِ سَمَوا في الناس بالدِّينِ
وصِحَّة القول زِينتْ بالبراهينِ

شادُوا المناقِبَ ، ما بغيرها عُرفوا
تُروَى وتُنشرُ بين الحِين والحِين

لهم تقاليدُ تُعلي مَن تمثلها
جَلتْ عن الهُزء والتعييب والدُّون

لهم مَوازينُ لا تلقى بها خللاً
والطيبون لهم أرجى المَوازين

لهم مَعاييرُ يَحميها جحاجحة
راجَتْ ودِينَ بها بدون تدشين

تُوافِقُ الشَّرعَ ، تحيا في مَقاصدِه
ونفعُها في البرايا غيرُ مَمنون

حي القبائلَ في الصعيد دَيدنُها
إقامة الشرع بالإقناع واللين

لم تتخذ لغة الإكراه مَطرقة
فوق الرؤوس ، فليس العيشُ بالرُّون

لم يَطغ مَن قويتْ في الخلق شَوكتُه
بدون حق على قوم مَساكين

لم يأكلوا مِن قدور الناس طعمتَهم
حتى تنالَ جسومٌ بعضَ تسمين

إذ للبداوة في الصعيد رَجعُ صَدىً
تسري عُذوبتُه في الناس والطين

بداوة صَبغتْ بالحُسن سُؤدَدَها
وجَمَّلتْ سَمتها بالعِلم والدين

أنا (الصعيدي) أخلاقي تُبلغني
ذؤابة المجد ، هذا الفوزُ يَكفيني

أهلُ الصعيدِ لهم في ذِي الدنا قِيَم
طابتْ ، وطابَ لها أصيلُ تمكين

على المَذلة لا تُلوى عَمائمُهم
وما ارتأوا ذلهم يوماً بمَيمون

على الإهانة لا يَحيا جحافلهم
فلا يَعيشون في ذل وتوهين

مهما قسا العيشُ هم أكارمٌ نُبُلٌ
ونُبلهم بالتدَني غيرُ مَقرون

منهم أراني ، ولا أرجو بهم بدلاً
وكم أتِيه بأقوامي الأساطين

كم في الصعيد مِن الأماجد انطلقوا
في العِلم كانت لهم أعتى الأفانين

وكم أشدتُ بهم في كل مُصطدم
وكم مَدَحتُ عطاءات الميامين

ليَحفظِ اللهُ أهلاً كنتُ واحدَهم
وأمرُ ربيَ بين الكاف والنون

مناسبة القصيدة

البداوة طبيعة تجري في دم الصعيدي! فلا تنفك عنه ، ولا ينفك عنها! وخاصة الذي ينشأ في البادية ، ويتزيا بزيها ، ويتقلد بتقاليدها! وتحت عنوان: (بداوة الانتماء والعصبيات في المنطقة العربية) يقول الأستاذ أحمد شيخ علي ما نصه بتصرفٍ يسير: (ذهب ابن خلدون (1332-1406م) إلى أن البداوة مرتبطة بالمجتمع القبلي وحفاظ أفراده على جملة التقاليد والعادات المتجذرة فيه ، واتفق مع ابن منظور(1232-1311م) الذي سبقه في لسان العرب على أن البداوة نقيض الحضارة ، والشائع أن البداوة هي صفة للتجمعات البشرية غير المستقرة في المدن (الحضر) ، والتي تميزت باعتمادها على الغزو ، ثم الرعي في تأمين قوتها. والتجمع البدوي قائم في الأساس على رابط قرابة الدم ، وهو الأساس في تشكيل القبيلة وتميزها عن قبيلة أخرى ، فالأصل في كل قبيلة أنها تعود إلى جدٍ واحدٍ ، وعند ظهور المدنية واعتماد البدوي على الرعي وزوال الغزو شيئاً فشيئاً ، قلَّ تنقُّل البدوي ، وأصبح أقرب للاستقرار مع بدء الزراعة إلى أن استقر واعتمد في تأمين قوته على الزراعة كمصدر أساسي! فكان استقراره خارج المدينة في البادية ، ثم اقترب من المدينة ليستقر في الريف على حدود المدن ، أو أن المدن اتسعت لتصل حدودها إلى أماكن إقامته. فالبدوي مَن يعيش في البادية أو الريف ، والحضري من يعيش في الحضر (المدن) ، وعليه فالبداوة نقيض الحضارة. وبالتالي فإن هذا يطرح إشكالية تستحق التوقف عندها مفادها: أن البداوة قائمة على ركيزتين أساسيتين وهما العصبية القبلية فقط ، ومكان الإقامة وهذا خاطئ. والصحيح أن للبداوة ركائز تتمثل بما يلي:- عصبية الانتماء (وليس بالضرورة أن يكون عصبية الانتماء للقبيلة فقط ، فالعصبية القبيلية واحدة من عصبيات متعددة أخرى. الانقياد الأعمى لشخص أو مجموعة ، ورفض تقبل أي جديد ما دام مصدره خارج منظومة العصبية المنتمي لها). والاعتماد على التلقي الشفهي للمعلومة وتصديقها دون تثبت (ما يمكن تسميته بالثقافة الشفهية. وللبداوة علاقة وثيقة بمكان الإقامة ، فالإقامة في البادية أو الريف (خارج المدن) ليس شرطاً وحيداً للبداوة ، فالبداوة قائمة على العصبية (بكل أنواعها وليس العصبية القبلية فحسب) ، وقد يتخلى ابن الريف أو البادية عن عصبياته ، وقد يتسم الكثير من سكان المدن بعصبية انتماءاتهم ، وهذا ما تعيشه المنطقة العربية في الحضر ، فغالبية شعوب المنطقة (سواء أكانوا يعيشون في الريف أو المدينة) يتميزون ببداوة الانتماء التي تضيق عن الانتماء للوطن ، رغم أنهم يعيشون في دول تدعي شمولية احتواء الوطن لأبنائه بكل أطيافهم ، ولكن تغلب الانتماءات الضيقة ، ويُختزَل مفهوم الانتماء للوطن إلى عصبية الانتماء العرقي أو الديني أو الطائفي أو الإثني أو حتى التحزبي ، لتتحول مصلحة الانتماء الضيق بأذهان هذه الجماعات إلى مصلحة الوطن. هذه الانتماءات العصبية تتميز ببداوتها ، ولا تتعلق بمكان الإقامة أياً كان !).هـ. وإذن فبداوة الصعيد المصري تختلف عن أي بداوة في مجتمعنا العربي ، ذلك أنها تغلب جانب القيم والأخلاق والمباديء! ذلك أنها حقاً في عمومها نبعت من معينين أصيلين الأول: هو الدين ، والثاني: هو مكارم الأخلاق!)
© 2024 - موقع الشعر