بنت الصعيد منى بكر! - أحمد علي سليمان

بنتَ الصعيد رأيتُ طيفك يَعتِبُ
وعن الأسى يكوي المشاعر يُعْربُ

ويَسوقُ مِن زُبَد البيان مَقاطعاً
عَصفتْ بنا ، والذكرياتِ تُؤلب

ويَلومُنا أنْ لم نُؤبنْ فذة
كَفُّ العلوم ببحثها تتخضب

قدَّمتِ خيرَكِ للأنام رَضِية
دوماً ، ونفسُكِ بالعطاء تُرحب

آثرتِ دارَكِ بالخيور عظيمة
بَذلٌ جميعُ الناس منه تعجبوا

ورضِيتِ بالأجر القليل تكلفاً
لمَّا يَكنْ لكِ في المطامع مَأرب

وجعلتِ عِلمَكِ للمنافع مَوئلاً
لمَّا تشدَّكِ رفعة أو مَنصب

وظهرتِ للدنيا مَلاكَ حضارةٍ
وسعى إليكِ عن الديار تغرُّب

فقبلتِ أعواماً ، وعُدتِ عليمة
بتخصص منه الأباة تهيبوا

وامتدَّ نحوكِ كل عَرض يشتهي
بعضُ الهُواة ظلاله إنْ طولبوا

والقومُ أذهلهم نشاط خبيرةٍ
في كل سهم في التخصص تضرب

وأتتْكِ بالإلحاح إغراءاتُهم
وكأنها غيثٌ غزيرٌ صَيِّب

وأتتكِ تسهيلاتُهم تسبي النهى
وكأنها بَرقٌ فظيعٌ خلب

فاخترتِ مُكثكِ في الديار عزيزة
مهما طغى مالٌ ، وراجَ المكسب

والتوصياتُ أتتْكِ تستبقُ الخطا
هُوجاً ، وضمَّ ذوي القرار المَوكب

فرَجَعتِهم يتجرعون عَذابَهم
وبردِّكِ القطعي ها هم خيِّبوا

ومساوماتُ القوم تُنبيءُ أنهم
ب (مُنى) وهمتها العليَّة أعجبوا

وعظيمُ إنجازاتكِ اجتازتْ مَدىً
عضلتْ بهم خطواتُه ، إذ يَصعُب

النانوتكنولوجي يَشِيدُ بفذةٍ
بمدائح تُتلى ، وأخرى تُكتب

و(المعهدُ العلميُّ) يَنعى مَن قضتْ
بدموع عين بالأسى تتصبب

وكذا (علومُ الليزر) انفجرتْ بُكا
والحزنُ خيَّمَ ، ثم ساد الغيهب

تبكي (براءاتِ اختراع) أربعاً
ورثاؤها في حسرةٍ يتوجب

ستين بحثاً قد كتبتِ قلائداً
هي في مجلات (الأباعد) تُرغب

ترتيبُكِ العشرون في (النانو) زها
متبختِراً بين الجوائز يَطرب

ورسائلاً مائة أجزتِ صِحابَها
المَشرق استهدى ، وأطرى المَغرب

وبرعتِ في كيمياءَ فيزيائيةٍ
والناسُ جاؤوا اليومَ كي يتدربوا

و(مُنى) تُوجههم بزاخر عِلمها
والكل هشوا في اللقاء ، ورحَّبوا

والغربُ أكبرَها ، وأطرى سعيَها
ومضى لأبحاثٍ لها يترقب

وهناك في (الصين) العلوم تلاقحتْ
واستقبلَ الحَمَلَ الوديعَ الأذؤب

واللهُ أعلمُ بالذي كادوا لها
مِن بعد مؤتمر يُخِيفُ ويُرعِب

عادتْ لنا (بنتُ الصعيد) مريضة
مرضاً بصحتها العفية يذهب

شييءٌ أصاب مناعة في جسمها
و(الكورتيزونُ) هو العقارُ المُعطِب

أفنى قواها ، واستباحَ صمودَها
وعليه مَن - إمَّا بغى – يَتغلب؟

ذهبتْ ضحية كيد غرب مُعتدٍ
لكنْ وأنى يُستبانُ المُذنب؟

ماتتْ ضحية مهملين تعالموا
فهُمُ عن التشخيص حقاً غيَّب

لم يُدركوا ما عندها مِن عِلةٍ
كي يُدركوا بالطبع كيف تُطبَّب

بنت الصعيد عليكِ رحمة ربنا
ما أشرقت شمسٌ وزيَّن كوكب

أسيوط لن تنسى مسيرة بنتها
ستُذيعُ سيرتها ، وبعدُ تُطيب

يا (بنت بكر) حُزتِ أشرفَ رُتبةٍ
فالعِلمُ أعظمُ ما يُنالُ ويُوهب

وحُبيتِ مِن بين النسا وطنية
كل الألى خبَروا مَداها استغربوا

يا ربنا فارحمْ (مُنى) ، واغفرْ لها
هذا الدعاءُ ، ولستُ بعدُ أعقب

مناسبة القصيدة

(الدكتورة الصعيدية منى بكر محمد ، ولدت في عام 1971 م بمدينة أسيوط ، وحصلت علي الثانوية العامة سنة 1987م ، وعلى بكالوريوس علوم كيمياء من جامعة أسيوط عام 1991م ، وكانت الأولى على دفعتها ، كما حصلت ماجستير في الكيمياء الفزيائية من جامعة أسيوط عام 1994م ، وعلى دكتوراة في الكيمياء الفيزيائية من معهد جورجيا للتكنولوجيا بالولايات المتحدة الأمريكية ، تحت إشراف الدكتور مصطفى السيد ، والذي أرسلها إلى أمريكا في بعثةٍ من جامعة أسيوط لمدة أربع سنوات ونصف ، وذلك حينما كان أستاذاً بمعهد علوم الليزر بجامعة أسيوط ، ثم ذهبت بعدها إلى (سويسرا) ليُشرف على أبحاثها الدكتور ماجد شرقية ، عالم النانوتكنولوجى ، لمدة خمس سنوات ، وعادت بعدها إلى جامعة أسيوط ، ثم انتقلت إلى جامعة القاهرة لتلتحق بمركز الليزر ، الذي أسهمت من خلال خبراتها في تأسيس مدرسة علمية هي الأولى ، التي تُسهم فيها عالمة مصرية تختص بعلم النانوتكنولوجى في مصر. وحصلت على درجة الماجستير في الكيمياء الفيزيائية وبكالوريوس في الكيمياء من جامعة أسيوط. وحصلت على درجة الدكتوراه في الكيمياء الفيزيائية من معهد جورجيا للتكنولوجيا ، بولاية أتلانتا الأمريكية عام 2002 م ، تحت إشراف العالم الكبير الدكتور مصطفي السيد. وعملت معيدة بقسم الكيمياء في كلية العلوم جامعة القاهرة ، ثم مدرساً مساعداً بنفس القسم ، ثم باحثة ما بعد الدكتوارة في معهد الفيزياء بجامعة لوزان بسويسرا. وأما عن إنجازتها في مجال النانو تكنولوجي ، فكانت مديرة مركز النانو تكنولوجي ، وعضواً بأكاديمية البحث العلمي منذ العام 2009م ، كما أن لها 4 براءات اختراع دولية مسجلة باسمها ، منها استحداث عقار يعمل علي زيادة نسبة الهيموجلوبين في الدم. وأسست أول شركة في مصر والعالم العربي في مجال النانو تكنولوجي. وأسست الدكتورة والعالمة منى بكر مدرسة مكونة من 43 طالباً في الدراسات العليا ، والذين عملوا علي تصنيع المواد النانوية وتطبيقاتها في الخلايا الشمسية ، وتنقية المياه وتحلية المياه والتطبيقات الطبية الحيوية. ولها أكتر من 56 مقال دولي و100 رسالة ماجستير ودكتوراه مشرفة عليهم ، وتم الاستعانة بها كمرجعية دولية في الأبحاث العلمية ، وجاءت في التصنيف الدولي رقم 20 في مجال النانو تكنولوجي ، وتم الاستشهاد بأبحاثها أكتر من 1800 مرة. وأما عن وفاتها ، فتوفيت على إثر الإصابة بمرض نادر عن طريق مهاجمة أجسام مضادة لكرات الدم الحمراء في الأوعية الدموية المغذية للأطراف ، وذلك عقب عودتها من مؤتمر علمي بالصين ، وألم في ساقيها تطور إلى تورم باللون الأزرق تم تشخيصه بأنه مرض نادر أصاب المناعة عن طريق مهاجمة أجسام مضادة لكرات الدم الحمراء ، واستدعى علاجها بجرعات الكورتيزون ، والتي أثرت على صحتها ، وتوقفت مسيرة عالمة شابة كنا ننتظر منها اختراعات جديدة في علمها ، بل كانت مشروع نوبل جديد لمصر والعالم! وأنا كشاعر صعيدي يُشرفني أن أكتب عن الدكتورة (منى بكر محمد) بوصفها دكتورة فذة مصرية متفوقة صعيدية!)
© 2024 - موقع الشعر