أمنية كافور الإخشيدي! - أحمد علي سليمان

للمُلكِ في أصحابه تأثيرُ
مَجدٌ تمنى نيله كافورُ

إن المُنى كم تصطفِي أربابَها
وبهم تلفُّ مطامحٌ وتدور

وتُداعِبُ الآمالُ مَن يحيا لها
ولها نسيمٌ في الدلال عطير

أسألت نخاسيهِ ما أثمانُه؟
عبدٌ يُباعُ ، وما له تسعير

ومَن اشتراه فقائدٌ ذو همَّةٍ
خبَرَ الرجالَ ، له بهم تنظير

ورأى ب (كافور) خِلالَ رجولةٍ
هذي الخِلالُ يُعِزها التحرير

شكرَ الشراءَ لسيدٍ متفضل
وجميله بين الورى مَقرور

واهتمَّ لم يتركْه عبداً مُهمَلاً
وفؤادُهُ كالقِدر حين يَفور

بل علمَ العبدَ الرماية ، فاستمى
ونمَتْ لديه مَقاصِدٌ وأمور

وتعلمَ الجُندية ابتشرَتْ به
وتعلمَ المِغوارُ كيف يُجير

وسلوكُه الهيجاءَ مُعتركٌ له
- إما أغارَ على العدا – تدبير

والفذ (إخشيدُ) الديار له حِجا
إذ علّمَ (الكافورَ) كيف يُدير

ربَّاهُ تربية تعذر وصفها
فالعبدُ في قلب النظام وزير

كافورُ أمَّلَ مُلكَ دار باذلاً
جهداً إلى أنْ جاءه التأمير

ما انفك يَختبرُ التحمُّلَ والقوى
ويَجدُّ فيما يبتغي ويثور

مازالَ يرسلها شرارة طامح
يسعى ، وليس على الحقوق يجور

مازال يَدْأبُ في اصطبار دائم
ويَسوقُ رأياً للمَلا ويُشير

مازال يقتحمُ الصِّعابَ غضنفراً
لم تعضُل البطلَ الهُمامَ ثغور

الفارسُ المِغوارُ تصقله القنا
والقائدُ المِقدامُ بات يُغير

الفاتحُ الغازي تُشرِّفه الوغى
ويُثيرُ خاطرَه الجسورَ نفير

والجُندُ في الميدان طوعُ بنانه
أسَدٌ على خير الجنود هَصُور

أبقى على (الإخشيد) دولته التي
كم غالها التضييعُ والتتبير

واستقرئ التاريخ عن غزواته
فالفتحُ بعد الفتح ، والتبشير

وسل الروافضَ أدركوا سلطانه
وبأنه إمَّا غزا منصور

وكم ارتجوا موتاً يزف زواله
أو أن يكون لمُلكه التدمير

مُتشيعون ، ويَدَّعون شرافة
فهل الشرافة يا غثا (دِيكور)؟

برئتْ مِن الضُّلّال (فاطمة) الهُدى
هذا انتسابٌ يَعتريه الزور

قالوا عن (الكافور) أسوأ قولهم
وهمُ العُتاة المجرمون البُور

حَجَراً رأوهُ أسوداً مُتغلباً
في حُكم (مصرَ) ، وفي لقاهُ شرور

لكنه بالعدل قاد دياره
والمالُ فاضَ بمصرَ ، والتيسير

هذا هو التاريخ أصدقُ شاهدٍ
لمن اشتهى حقاً ، فلا تزوير

نادى المنادي مَن يريد زكاتنا
والناسُ قالوا: حالنا ميسور

وبعهده أعطى التوسُّعَ حِصة
وعلى بلاد الشام كان ظهور

وعلى (الحجاز) تكثفتْ حَمَلاتُه
لمَّا يكنْ فيها وَنىً وفتور

عقدان في حكم البلاد فما اشتكى
فردٌ ، ولم يكُ في الديار فقير

هي سيرة (الأستاذ) عاطرة الشذى
مهما تطاولَ حاقدٌ مَوتور

هذا (أبو المسكِ) الكريم عطاؤه
هو بالألى افتقروا إليه خبير

هو عظمَ العلماءَ ، أكرمَ شأنهم
في باحة القصر العظيم بُدور

حلقات علم لا تسلْ عن حسنها
ودروسُ فقهٍ شرحُهن يَسير

هو قرَّبَ الشعراءَ ، تاقَ لشِعرهم
ورعى القصيدَ كأنه الجمهور

ومواقفُ (المتنبيْ) ليس تعيبُه
بئسَ القصائدُ ما بها توقير

المدحُ كان لجلب داعية الغِنى
والذمُّ كان وراءه التقتير

وإذن فمرتزقٌ يُؤملُ حَصة
مِن مال مَن أودى به التعيير

وإذا القصائدُ أسفرتْ عن رجسها
وعلاجُ مَن أدلى بها التعزير

يا سيدَ (الأحباش) صِيتُك طيبٌ
ولأنت مما قيلَ فيك طهور

واسألْ (بني العبَّاس) عن مدح الذي
نصرَ الحنيفة ، واحتوتْه الدور

وله بمصرَ رَعِية فخرتْ به
والشعبُ مما شاده مبهور

كافورُ عانى ظلمَ أسيادٍ مضوا
كم عذبوه ، ولم يكنْ تبرير

لم ينسَ تاجرَ زيته وعصيره
خابتْ تجارتُه ، وخابَ عصير

قاسى مِن الجَور الكثيرَ ، فما اعتدى
والعادلُ المحبوبُ ليس يجور

لكنما (الإخشيدُ) قدَّرَ جُهدهُ
ولكل فذٍ مُحسن تقدير

لمَّا يكنْ (كافور) يقرأ أسطراً
وكذاك لم يكتبْ ، فحلَّ النور

إذ علّمَ (الإخشيدُ) عبداً مخلصاً
فتلا وسَطرَ ، واستمى التسطير

ورفيق (كافور) ضحية بطنه
وطموحُه نارٌ زكتْ وقدور

وتحقق الأملُ الذي هو رامَه
فالبطنُ مما قد حواه قرير

ورفيقه (كافورُ) أدرك ما ارتجى
المُلكُ جاء ، لذا استراحَ ضمير

للأمنيات صِحابُها ودروبُها
إن الذي يهَبُ الأنامَ قدير

مناسبة القصيدة

(كثيرٌ من الناس يظن أن الأماني تصنع أصحابها! والعكس هو الحقيقة! فإن أصحاب الهمم العالية هم الذين يجتهدون حتى يحققوا آمالهم وطموحاتهم! بعد استعانتهم بالله تعالى بالطبع! وواحد من هؤلاء (كافور)! كان كافور الإخشيدي عبداً حبشياً ، وكان أسود اللون ، ولم يكن على سواده وسيماً ، بل كان دميماً قبيح الشكل ، مثقوب الشفة السفلى ، مشوه القدمين ، بطيئاً سمجاً ، ثقيل القدم! دخل مصر عبداً ليُباع في سوق النخاسين ، وبينما هو كذلك سأل رفيقاً له عن أمنيته ، وهما في ذات الظرف وذل الرق ، فقال رفيقه: "أتمنى أن أباع إلى طباخ لآكل ما شئت متى شئت"! أما كافور فقال: "أما أنا فأتمنى أن أملك هذه البلاد! تخيلوا يا قومنا! عبد في سوق النخاسين ، ويتنافس الناس لشراء حريته ، وهو يتطلع لحكمهم! ومرت السنوات ، وبيع كافور لقائد في الجيش ، فعلمه القائد أصول الجندية ، حتى صار فارساً مغواراً ثم قائداً عظيماً! ثم أصبح ملكاً وأحد حكام الدولة الإخشيدية ، لينال ما تمنى ، بينما صاحبه في المطبخ يأكل كما اشتهى ووقتما يحب! فالإخشيد اشترى كافوراً ، ورباه وأحسن تربيته ، ثم أعتقه ، ثم جعله من كبار قومه لما يمتلكه من حسن التدبير والحزم ، بل إن بعض المؤرخين يُعيد لكافور الفضل في بقاء الدولة الإخشيدية! ويكفي أن نعرف أن الفاطميين كلما عزموا على غزو مصر تذكروا كافوراً فقالوا: "لن نستطيع فتح مصر قبل زوال الحجر الأسود يعنون كافوراً! وأصبح كافور سنة ٩٦٦ م والياً على مصر ، حيث حكمها ، ثم توسع إلى بلاد الشام ، ودام حكمه لمدة ٢٣ عاماً! اشتراه في عام 923 م محمد بن طغج مؤسس الأسرة الإخشيدية كرقيق من الحبش ، ورشحه كضابط في الجيش المصري. وكان يفضل البقاء والإخلاص لسيده ، ليس طمعاً في إرثه أو هداياه كما فعل بقية الناس ، وعندما انتبه سيده لذكائه وموهبته وإخلاصه ، جعله حراً وأطلق سراحه. وأرسلَ كافورٌ كقائد عسكري في عام 945 م لسوريا ، كما أرسل ليقود حملات أخرى في الحجاز ، كما أن له خلفية بالترتيبات والشؤون الدبلوماسية بين الخليفة في بغداد والأمراء الإخشيديين. وأصبح الحاكم الفعلي لمصر منذ 946 م ، وذلك بعد وفاة محمد بن طغج (كوصي على العرش) وتوفي في القاهرة ، كما أنه دفن في القدس. على الرغم من أن المؤرخين وصفوه بأنه حاكمٌ عادلٌ ومعتدل! واحترتُ جداً ، وأنا أريد الكتابة عن عظيم أمنية (كافور) ، واحترتُ أكثر وأنا أجمع الأخبار التي تناقض أكثرُها ، ولم يوثقْ أغلبُها! فرشحتُ للكتابة الأخبارَ الموثوقة المقطوعَ بصحَّتها فقط!)
© 2024 - موقع الشعر