الجمال اليماني
(كان ذلك العاشق المسلم صادقاً مع الله ، وصادقاً مع نفسه وصادقاً مع من أحب. إذ حكى في مجلة عن نفسه أنه رأى فتاة فأعجبه حسنها ، فأحبها وازداد حبه لها بعدما سأل عنها ، لأنه وجدها ذات خلق ودين. وأنهى الولع والشغف بالزواج. عملاً بقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: (زوِّجوها بمن تحب ، ليس للمتحابين إلا الزواج). أورد الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه ذم الهوى عن ابن عائشة قال: قلت لطبيب كان موصوفاً بالحذق ما هو العشق؟ قال: شغل قلب فارغ. قلت: وقد ذهب بعضهم إلى أنه مرض وسواسي شبيه بالماليخوليا. مراتب العشق: قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه ذم الهوى: أول ما يتجدد الاستحسان للشخص ثم يجلب إرادة القرب منه ، ثم المودة وهو أن يود أن لو ملكه ، ثم يقوى الود فيصير محبة ، ثم يصير خلة ثم يصير هوى فيهوي بصاحبه في محاب المحبوب من غير تمالك ، ثم يصير عشقاً ثم يصير تتيماً ، والتتيم حالة يصير بها المعشوق مالكاً للعاشق لا يوجد في قلبه سواه ومنه تيم الله ، ثم يزيد التتيم فيصير ولهاً والوله الخروج عن حد الترتيب والتعطل عن أحوال التمييز. وقال بعض العلماء أول مراتب العشق الميل إلى المحبوب ، ثم يستحكم الهوى فيصير مودة ، ثم تزيد بالمؤانسة وتدرس بالجفاء والأذى ، ثم الخلة ثم الصبابة وهي رقة الشوق تولدها الألفة ويبعثها الإشفاق ويهيجها الذكر ثم يصير عشقاً وهو أعلى ضرب. فمبتدأه يصفي الفهم ويهذب العقل ، كما قال ذو الرياستين لأصحابه: اعشقوا ولا تعشقوا حراماً ، فإن عشق الحلال يطلق اللسان العيي ويرفع التبلد ويسخي كف البخيل ويبعث على النظافة ويدعو إلى الذكاء. فإذا زاد مرض الجسد وزاد جرح القلب وأزال الرأي واستهلك العقل ثم يترقى جداً فيصير ولها ويسمى ذو الوله مدلهاً ومستهاماً ومستهتراً وحيران. ثم قال ابن دريد: الصبابة رقة الهوى واشتقاق الحب ، من أحب البعير إذا برك من الإعياء. وأما الحب:(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح البخاري) أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: (الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر اختلف). وأساس المحبة والتآلف هو القلب ، لذا نجد أن القلوب تتآلف وتحن لمن يوافق شاكلتها. قال ابن القيم رحمه الله كما في إغاثة اللهفان(1/132): المحبة هي التي تحرك المحب في طلب محبوبه الذي يكمل بحصوله له ، فتحرك محب الرحمن ، ومحب القرآن ومحب العلم والإيمان ، ومحب المتاع والأثمان ، ومحب الأوثان والصلبان ، ومحب النسوان والمردان ، ومحب الأطفال ، ومحب الإخوة. فتثير من كل قلب حركة إلى محبوبه من هذه الأشياء فيتحرك عند ذكر محبوبه دون غيره ، ولهذا تجد محب النسوان والصبيان ، ومحب قرآن الشيطان بالأصوات والألحان لا يتحرك عند سماع العلم وشواهد الإيمان ، ولا عند تلاوة القرآن ، حتى إذا ذكر له محبوبه اهتز له وربا ، وتحرك باطنه وظاهره شوقاً إليه وطرباً لذكره ، فكل هذه المحابٌ باطلة مضمحلة سوي محبة الله وما والاها ، من محبة رسوله وكتابه ، ودينه ، وأوليائه ، فهذه المحبة تدوم تدوم ثمرتها ونعيمها بدوام من تعلقت به. وأعود للعاشق المسلم الموحد الذي وقع في عشق الجمال اليماني ، وكان صادق الحب ، فآثر أن يأتي البيوت من أبوابها لا من نوافذها ولا من أسوارها! بل انطلق إلى أهل الجمال اليماني وقبيلته ، وهناك كانت الخطبة والزواج. وتم ذلك كله على كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – بعيداً عن حيل الشيطان ومكائده ووساوسه وخطواته الملعونة التي ما تلبث أن تجعل من الإنسان السوي المحترم حيواناً منحطاً يحيا لشهواته ونزواته فقط! من أجل ذلك أنشدت هذه القصيدة من شعري مشيداً بهذا العاشق المحترم الذي لم يرد بحبه الدنيا وسفولها ليهبط في وحلها ، بل أراد بحبه وجه الله والدار الآخرة في ظاهر أمره والله حسيبه ووكيله ، ولا نزكي على الله أحداً!)
إضافة تعليق - (( user.name )) - خروج
ادارة موقع الشعر (( comment.message.user.name )) (( comment.message.user.name ))
(( comment.message.text ))
لا يوجد تعليقات.