ليلي والماضي! (ليلى البوسنوية) - أحمد علي سليمان

ليلى على ماضي الحمى متحسرةْ
تبكي ، وتخنقها دموع المَأثرةْ

وأنينها يكوي الضلوع وما حوت
ونحيبُها يُردي الطيوفَ المُضمرة

والمقلتان محاهما فرط الأسى
والقلب يوغل في ندوب الغيذرة

والوجنتان براهما مُرّ الأذى
والروح ثكلى ، بالمرار مغبّرة

وقوامُ ليلى في سراب مصيرها
نثر الكآبة في هجوم العَسكرة

فأحال بسمتها عبوساً ، وانزوى
أسفاً على ذبح الفتاة الخيِّرة

أبداً تحطمها الهمومُ ، كأنها
مثل الدقيق ، أمام ريح مِجهرة

والحزن فوق جبينها محلولكٌ
فرش المذلة فوق رأس الحَزورة

وكذا الوجوم على السرير مُلاءة
تئد ابتسامتها ، وتردي الأسورة

ويعرقل التدمير حسن صبية
ولها يهيئ - من يُضل - المقبرة

ويطارد الوحشيّ طِيبَ أريجها
أبداً ، ويُحكِم في السجون السيطرة

فيُحيلها زَبداً تلفع بالدجى
من بعد أن كانت تفوق الجوهرة

كانت تعيش ، ولا تبالي بالعِدا
وديارُها بالعز كانت مُثمرة

مع والديها في دلال تنثني
وتداعب الأطياف خلف المَشجرة

ويُعطر الدنيا أريجُ هنائها
والأرض نشوى ، والمدائنُ مُزهرة

تلهو ، وتلعب ، لا تفكر في الدنا
وكأنها بين الصبايا عنبرة

والبيت يملأه عبير ضيائها
والخير يشدو ، والليالي مُقمرة

ولها رفيقاتٌ يُسلين الهوى
ويُزلن أحزان الدمى المتكدرة

حتى إذا صار الرجال بأرضها
مثل الدمى في حالةٍ مستهترة

لعبوا بهَدي الله في أرحابهم
جعلوا الركون إلى الدنايا قنطرة

شربوا الخمور ، وعربدوا وترهلوا
والدار منهم تشتكي متحسرة

ونساؤهم مزقن كل فضيلة
وجرين خلف من اتبعهن الأديرة

وهتكن أستار الحياء جهالة
فوجوهن بكل وادٍ مُسْفرة

والعرض بيع بهيِّن ، وكذا الحيا
وتكاثرتْ أممٌ تجيد السمسرة

ما ذنب ليلى يا ترى وسط الورى؟
مسكينة هذي الفتاة الخيرة

فلقد أعد المجرمون لها المُدى
وغزتْ حواضرَها جيوشُ الغيذرة

يا ليلىْ ، أنت قضية مسلوبة
أودى بعفتها زئيرُ الحيدرة

وأنينك المُلقى على سمع الدنا
بقرتْ يُنوعتَه الدمى المتحجرة

يا ليت شعري كيف أرسم ما جرى؟
إني ثكِلتُ يراعتي والمِحبرة

عذراءُ تصرخ في العراء ، وتشتكي
وتبيتُ تجترُّ المرارة مُفجرة

وتود لو ماتت ، وكانت لقمة
للعائدات ، ولا ترى ذي المَجزرة

كم ذا رأيت - على جبينكِ - حسرة
ورأيت أسئلة أتتْ متأخرة

كيف انتِهاكُ حقوقنا ، وحياتنا
والنار تحرقنا ، وتصبح مُسْعرة؟

ورؤوسنا تحت العذاب كما الدمى
وعلى عذارانا تدور المحفرة

حتى العجائز لم يريْن هوادة
والطفل تذبحه أيادي المَدغرة

أرأيتَ بالعمران يسقط حولنا
كالغيث ، تنزله السماء الممطرة؟

أرأيت بالعذراء يُسلخ جلدها
والجند تضرب يمنة ، والمَيسرة؟

أسمعت بالنيران تحرق حُلمنا
وعلى الرقاب - كذا - سيوفٌ مُشْهرة؟

أسمعت بالأطفال تحرق جملة
وعلى أيادي الأمَّة المتحضرة؟

أسمعت بالإنسان أصبح كاسراً
وله المخالب في الدنا والهَرهَرة؟

وله القرونُ ، وسُم لدغته الردى
وحوافرٌ أظلافها كالجَيذرة

يا ليلىْ كُفّي الدمع هذا ، والجوى
إني علمتك في البلايا فيهرة

والدمع جرَّح وجنتيك ، ولا عَزا
كوني لأمرك كله مستبصرة

والمجرمُ الغازي ، سيأتي يومه
ولسوف يحرقه لهيبُ المسجرة

ولسوف يصفو الجو من بعد الدجى
ويعم هَدْيُ الله دوراً نيرة

ولسوف تغتصب الحنيفة ثأرها
ولسوف ينقشع اللظى والمَعسرة

ويَزين كل صبية جلبابُها
والشرع يعلو ، ثم تخبو العُنصرة

والأرض تزهو في ظلال شريعة
وتصير من خيراتها مستعطرة

يا أخت صبراً ، لا تبالي بالردى
فالصبر يُحْدث بعد عُسر مَيسرة

وعسى تكونوا قد أخذتم عبرة
وعرفتمُ أممَ الصليب المنكرة

هذا نصيبُكِ يا فتاتي ، صدقي
لولا التهاون ما استبد القسورة

والليل طال على البُغاة ، وغدرهم
ومصائب الأشرار تلك مُقدّرة

إن الحقيقة أن كل معربدٍ
يوماً ستطويه البقاع المُقفرة

يا ليلىْ إنك في الفؤاد ، وفي الحشا
ودماءُ جُرحكِ في الحنايا مُبْحرة

أنا يا فتاتي مذنبٌ ، ومقصرٌ
وقصائدي أمست مجردَ ثرثرة

أنا يا فتاة الخير أعزلُ ، ترتوي
مني المنايا دمعتي المتحدرة

وأبيت في الآهات يذبحني الجوى
ويراعتي في كل فرح مُدبرة

لا تسخري من لوعتي ، فأنا أخو
كِ أذود عن مَنجاكِ حتى الغرغرة

والله مطلعٌ عليكِ ، فلا أسى
حتى ولو لكِ قد أعدتْ مِجْمَرة

والله أرحم من أبيكِ ، وزوجه
ومن الدنا ، فاللهُ أهلُ المغفرة

والله ناصرُ من تمسك بالهُدى
وظهيرُ أختٍ بالحنيفة مُبصرة

© 2024 - موقع الشعر