غراب البين

لـ أحمد علي سليمان، ، في الرثاء، 9

غراب البين - أحمد علي سليمان

مِن أي قوم أنتَ يا متفيهقُ؟
وبأي حق في الورى تتحذلقُ؟

تُفتي بلا علم ، وتنشرُ باطلاً
وخلاصة الأقوال جهلٌ مُطبِق

وأراك تهذي عابثاً متخرصاً
وبكل جهل تستطيل ، وتنطق

وتحرّفُ الألفاظ عن مدلولها
وعلى الذي حَرّفتَ بعدُ تعلق

وتُحمّل الكلمات ما لم تحتملْ
ولقد تزيد تكلفاً ، وتلفق

أقصرْ غرابَ البين ، وادرسْ وانتصحْ
فإلى متى فينا تؤز وتنعِق؟

مازلت تتخذ التصنع منهجاً
وإذا انكشفت أتيتنا تتملق

أتُراك تحسب ما سطرت حقيقة
قد صاغها متثبتٌ متحقق؟

أتراك تبصر بالذي روّجته؟
بئس الذي روجت بئس المنطق

أتراك قد دققت ما تهذي به؟
بئس الذي أشهرت بئس مدقق

أتراك تقطع في الكلام تسوقه
قطعَ الذى يهوى الصواب ويعشق؟

أتراك تطلق كل حكم زاعماً
أن الذي أطلقت جد موثق؟

وأراك تنقل لم تغربلْ كالذي
بين الدجى والنور ليس يُفرِّق؟

تجني على ( الضاد ) البريئة عامداً
وتبيت - في كيل الأذى - تستغرق

هي يممتْ غرباً ، تود نجاتها
وأراك توغل في الجفا وتشرّق

كيف استبحت حِياضها وتراثها
حتى اشتكت – منك - الحِياضُ الدّفق؟

كيف ارتضيت لها الرضوخ لما ترى
مما يشين من الهراء ويُوبق؟

كيف استعرت لها لباساً بالياً؟
أيكون – للضاد - اللباس الأخلق؟

أعلى حساب الضاد ترجو سُمعة
وتريد جمعاً يَحتفي ويُصفق؟

إني أعزي الضادَ فيما نالها
فالعينُ تدمعُ ، والمشاعرُ تشفِق

والنفس تأسفُ ، والعواطف تشتكي
والقلب يزعجه المصيرُ المحْدِق

والشعر - ويح الشعر- يدفع جاهداً
قوماً بما كسبت أياديهم شقوا

وعلى (غراب البين) ألقى صخرةً
دُرراً تؤدّبُ مَن غدا يتفيهق

وتصد هجمة جاهل متعالم
سمج الكلام ، ولفظُه يتحرق

يبكي - على الفصحى - بكاءً زائفاً
إذ مثلُ هذا ليس يوماً يَصدق

أيظنها صيغت على ما يشتهي؟
ولذا يزّيف ما يشاء ، ويسرق

أيظنها لغواً بغير قواعدٍ؟
كلا ، فللضاد الأصيلة منطق

ولها أصولٌ خطها أجدادنا
وبها غدت شمساً تضيءُ وتشرق

أعلمتَ شيئاً يا غراب البين مِن
نحوٍ به - عند التخاصم - يوثق؟

أفقهتَ شيئاً من بلاغة ضادنا؟
أم إنه الجهلُ الغويّ الأخرَق؟

أقرأتَ في الصرف الذي هو عُمدة
عند الخِلاف وواحة تترقرق؟

أقرأت - في علم البيان - عبارة
ليسوقها هذا اللسان الأذلق؟

أدرستَ في علم البديع صحيفة
أسلوبها عطر السلاسة شيق؟

أوعيتَ - من علم الفصاحة - فكرة
في عَرضها حُجَجٌ تصولُ ورونق؟

هذي علومُ الضاد هل أدركتها
ووعيتها ، يا أيها المتحذلق؟

أتظنها الشطرنجَ بين هُواتها
مَلِكٌ يفارق ، ثم يُولد بَيدق؟

أتظنها - بين الحواضر - رحلة
بحْرية ، لك - في مَداها - زورق؟

أتظنها - بين الحدائق - نزهة
فالوردُ يُترع سُوحها والزنبق؟

أتظنها المطعومَ طاب لطاعم
نهب القدور ، وما اكتفى ، بل يلعق؟

أتظنها فُرُشاً بطائنُها حلتْ
لمُريدها ، إذ زانها الإستبرق؟

أتظنها عِطراً زهتْ جؤناته
وأريجُه - بين الخلائق - يَعْبق؟

أتظنها سيارة تسبي النهى
إن سابقت ريحَ الدبور ستسبق؟

أتظنها قصراً مَشيداً في الفلا
وكأنه - بين القفار - الجوسق؟

أتظنها بين الخرائد غادة
تزجي الغرام ، وحُسنها يتفتق؟

أتظنها الأموالَ تربحُ صفقة
والعز - بعد خِتامها - يتدفق؟

الضادُ أرفعُ مِن ظنونك رُتبة
إذ إنها صدقاً أجلّ وأعرق

هي رغم أنف الكل سيدة اللغا
ومِن اللغات جميعها هي أعمق

فاعقلْ (غرابَ البين) ما تلغو به
وزِنِ الكلامَ ، فإن ذلك أليق

وادرسْ ، ولا تكُ هازلاً متسرعاً
تفتي خزعبلة ، ولست تحقق

إني نصحتك ، والمهيمنُ شاهدٌ
لمّا رأيتك في غرورك تغرق

فارجع - هداك الله - عما قلته
فلئن رجعت ، فأنت أنت الأوثق

ولسوف يُكْبرُك الجميعُ تودداً
ويُضَم شملٌ جُله يتفرق

© 2024 - موقع الشعر