ديوان شعر - أحمد علي سليمان

النورُ والحق والإحساسُ والصورُ
والشوقُ والصحو في الأشعار تنحدرُ

والزهرُ مبتسمٌ في نظمه عبقٌ
والوردُ مبتهجٌ في عطره عِبَر

والطير منفعلٌ في الجو منطلقٌ
والماءُ مثل السنا بالرِّي يفتخر

والخضرة انتعشتْ في الروض زاهية
والظل فوق الربا والسهل ينتشر

والفجرُ منبلجٌ في العمر كوكبُهُ
واليُمن فوق الورى كالغيث ينهمر

والخيرُ يسعى على الأكوان في خجل
يغشى الأنام له في عيشهم وطر

والبشر ملتحف بالخلق في وجل
ذاب الحنينُ به ، فما له أثر

والأنسُ في طرب يختال مرتجلاً
والليل طاب على ترنيمه السهر

أما النهارُ فأشعارٌ معطرة
ديوانها عنبَرٌ ، وشعرها قمرُ

إنَّ الحياة كمثل الشَّعر رونقُها
يحيا على جانبيَ هذي الدنا البَشَر

أوزانُها جمّة ، لا تحتوي عِللاً
قد حيّرت أهلها ومَن له بَصر

فيها الجَوى والمُنى ، والتيه مَركبُها
والصدقُ بين الورى يُزوى ويُحتَضَر

مَعيشة غَضَّةٌ ، تسمو براغبها
وثمَّ أخرى علي الأشلاء تَستعِر

ما بين آكل لحمٍ كله شَرَهٌ
ومَن مِن الجوع والتضيق ينتحر

ومَن يعيش علي أكباد مَن رحلوا
ويشرب السُّمعة الفُضلى ، ويزدجر

ومَن يُعَكَّر صفوَ القوم في شُبهٍ
ولا تراه علي الأنات يعتكر

ومَن يُضَلَّل خَلقَ الله قاطبة
ويقمع الحق ، بئس الظالم الأشر

ومَن يُزندق حزب الحق مَن عملوا
و(القطبُ) أولهم ، والسادة الغُرر

ومَن يُفسّق أهل الخير مَن بذلوا
أمسى يُبَدَّع مَن غابوا ومَن حضروا

ومَن يكُفّر أهل العلم مَن جهروا
ولا تراه علي ما قال يعتذر

ديوان شعر إذن هذي الحياة حوى
مِن كل شعر شدا ، وما به سَعَر

قصيدة تنتشي عِزاً وتجربة
وثَمَّ أخرى علي ألفاظها الكَدر

ينوحُ فيها الجَوَى ، والهزلُ مأتمُها
وللأماجد فيها تُحفَرُ الحُفَر

قصيدةٌ يَمدحُ الطاغوتَ شاعرُها
وثَمَّ أخرى بها الأخلاقُ تندحر

تضاءلَ الشَّعرُ حتي بات ناظمُهُ
علي الفضيلة يبكي دونَهُ الضجر

جنازةُ الشعر قد شَيَّعتُ صاحبَها
ليرحمِ المَيَّتَ المَجنوزَ مُقتَدِر

الله أكبر ، ماتَ الشعرُ منتحراً
فمَن يقول لنا هذا ويَنتَصِر؟

والساحةُ امتلأت بالفُحش يَرجُمها
وأسْمَوُ الدعر شعراً ، بئس ما ذكروا

إنَّ المشاعرَ في الأذواق قد مُسِخَتْ
وأصبح الشعرُ مَلهَاة لهَا صُور

إذ يكتب الشعرَ مَن ذا لا خلاقَ لهُ
وما له أفُقٌ يُعطي ، ولا نَظَر

يُتاجرُ اليومَ بالأشعار كاتبُها
ومَن له السّبق لا حِسٌّ ولا خَبر

ويملأ الشعرُ أوراقاً برُمّتها
ويقرأ القومُ بهتاناً ، ولا خَطَر

وتُطبَع اليوم أشعارٌ وديدنها
مَحقُ الرشاد ، فلا تُبقِي ولا تَذر

تُمَزَّقُ الفكر لا وعيٌ ، ولا عظة
وفرَّخ الكيدُ ، أضحى الذهنُ ينفجر

وحُطَّمَ الفَهمُ ، لا فقهٌ ولا خِزة
وطامنَ الحقدُ حتى ماتتِ النُّذر

وسُرَّ بالعيش مأفونٌ ومرتكسٌ
وضجّ بالحال مَن بالخير يصطبر

وعاجلَ الغِلُّ مَن يحيا لمكرُمَةٍ
وباغتَ القهرُ مَن للنصر ينتظر

ديوانُ شعر به من كل مَلهبَةٍ
وغابةٌ يَشتهي تدميرَها القَدَر

يُزَيَّنُ الشرُّ في الأرحاب تشفية
ويُقمع العدلُ حتي يَسعدَ الخفَر

يُزخرَفُ العُهر في عَين وفي أذنٍ
ويَكبَتُ القِسطَ في إحساسنا نمِر

تناقُضُ الشعر في الأبيات منشأهُ
ديوانُ شعر ، ففي أبياته سَقَر

فخبَّئ الشعرَ في قرطاسه أبداً
إياك إياك أن يَجتَرَّكَ الحَذر

أنتَ اللبيبُ ، فكن للجَوْر منتبهاً
وخففِ اللومَ ، إن اللهَ مُنتصِر

وحبَّر الشعر ، لا تعبأ بعاديةٍ
إن العواديَ بالأشعار تنفطر

وأحسن القصد ، إن الله مطُلعٌ
وأخلصِ النيةَ العصماءَ تزدهر

لحُكم ربكَ فاصبر ، لا تكن عَجلاً
فالخيرُ يا صاحبي عُقبى لمَن صَبَروا

© 2024 - موقع الشعر