بغداد بين الازدهار والانهيار - أحمد علي سليمان

ويحَ الدغاول تترى دون إيذانِ
وتُفجعُ الدارَ في سِر وإعلانِ

وتستطيلُ ، ولا شيءٌ يُعرقلها
وتستخفّ بألباب وأذهان

وتستبدّ بمقهور يُناوئها
وتستبيحُ الورى في كل أوطاني

وكم تجيّش عُبداناً تؤيدها
وكم تضحّي بأجنادٍ وعُبدان

وللبلاءات - في الأكباد - صدمتها
ولا تُزاحمها أطيافُ سُلوان

وللمصائب - في القلوب - مَلهبة
مثل الشواظ أتى من جوف نيران

وللعذاباتِ - في الأرواح - حِصّتها
وما لنا - في البلايا - بعضُ أعوان

ويح الممالك غاصتْ في تأخرها
عن الحضارة عمّتْ جُل أوطان

حواضرُ الشرق ماذا في مرابعها
من الضياع يُناوي كل عمران؟

بالأمس كان لها عِزٌ وتكرمة
وكل صُقع حوى كبيرَ بُرهان

وفي الذؤابة (بغدادُ) العِراق شدتْ
بما تعاينُ في أصقاع بُلدان

وغرّد المجدُ في أرجائها جَزلاً
إذ رسّختْ للمعالي خيرَ أركان

وسطرتْ كتبُ التاريخ نهضتها
بكل صدق وإنصافٍ ورُجحان

وكم قصائدَ صِيغتْ في تصدّرها
كل المدائن ، فاقت كل إيوان

والشعرُ يَشرُف ، إذ يُطري تفوقها
كأن أغنية دفتْ بديوان

(بغدادُ) حاضرة الإسلام في زمن
فاق الذي بعدهُ من خير أزمان

أرستْ دعائم علم لا تُضارعها
دعائمٌ مجدُها رأته عينان

كلا ، ولا سمعتْ - عن عزها - أذنٌ
إن كان – للناس - أسماعٌ بآذان

أين (الرشيدُ) له - في البأس - صولته
يُبلي الأعاديْ بإهلاكٍ وإثخان؟

يحج عاماً ، وعاماً ليس يُمهلهم
حتى يُريح الورى من شر طغيان

مازال يقتحمُ الخبار منتصراً
لنشر دعوة إسلام وإيمان

لم يألُ جهداً ، ولم يبخلْ بتضحيةٍ
يرجو الجنان ، فوفى خيرَ قربان

والجندُ يُولون - بالطاعاتِ - قائدهم
أنعمْ بهارون من رأس وسُلطان

حتى إذا ارتحلتْ عنا خِلافته
لم نستطعْ دفعَ ثاراتٍ وعُدوان

من بعده وجمَتْ (بغدادُ) باكية
والدمعُ ضاق بأحداق وأجفان

والمسلمون - على المجد السليب - بكَوْا
بكاء مَن ثكلتْ لفقد وُلدان

بكى الجميعُ ، وما جفتْ مدامعُهم
وهل يُعيدُ البكا عظيمَ أعيان؟

مضى الروافض بالأمجاد ، مُذ فجروا
والناس فاؤوا على ذل وإمهان

ووطدوا لخلافاتٍ بها ارتكسوا
فلم يعدْ لمَعين الحق مِن شان

واستعذبوا الرجسَ يسري في ضمائرهم
هوىً ، كأنهمُ عُبّادُ أوثان

وروّجوا للضلال المحض في ملأ
وأمعنوا - في التردّي - شر إمعان

وشوّقوا الناس تشويقاً لباطلهم
بزور ما اختلقوا ومَحض بُهتان

سب الصحابة والأعلام دَيدنهم
وشكّكوا في أحاديثٍ وقرآن

بغدادُ ثوري على الضلاّل ، وانتفضي
وقاومي الباغيَ المستعمر الجاني

حتى تُعيدي - لنا - الأمجاد باسقة
وحرّري عِزكِ المستأسرَ العاني

والله ناصرُ مَن بالطوْع ينصرُهُ
سبحانه من جليل الشأن ديان

© 2024 - موقع الشعر