وقفت ضحى في شاطيء النيل وقفة
يضنّ بها إلاّ على النيل شاعره
تهلّل حتى يبدو ضميره
و عبّس حتى كاد يشكل ظاهره
فثمّ جلال يملأ النفس هيبة
و ثمّ جلال يملأ العين باهره
فطورا أجيل الطرف في صفحاته
و طورا أجيل الطرف فيما يجاوره
و ألحظ شمس الأفق و هي مطله
تساير فيها ظلّها إذ تسايره
فأحسبها فيه تساهمني
و تحسبني فيها الغرام أشاطره
إذا هي ألقت في حواشيه نورها
رأى التبر يجري في حواشيه ناظره
أطالت به لاتحديق حتى كأنّما
تحاول منه أن تبين سرائره
فيا لهما إلفين باتا بعزل
يخامرها من حبّه ما يخامره
يروح النسيم الرّطب في جنباته
يداعبه طورا و طورا يحاوره
و تقبض من مبسوطه نفحاته
كما قبض الثوب المطرّز ناشره
فيصدف عنه و هو مقطب
كأنّ عدوّا بالنسيم يحاذرة
كأنّي به تدانت سطوره
أوائله قد شكّلت و أواخره
إذا ما جلا للناظرين رموزه
تجلّى لهم ماضي الزمان و حاضره
أيا نيل نبئني أحاديث من مضوا
لعلّ شفاء النفس ما أنت ذاكره
حيالك صبّ بالخطوب مهدّد
جوانحه رهن الهموم و خاطره
أطاع شجونا لو أطاع فؤاده
عليها لفاضت بالنجيع محاجره
يحثّ إليّ الدهر كلّ رزيئة
على عجل حتى كأنّي واتره
و ما أنا بالعبد الذي يرهب العصا
و لكنّني حرّ تروع بوادره
أيا نيل فامنحني على الحقّ قوّة
فما سوّد الضرغام إلاّ أظافره
و هبني بأسا يسكن الدهر عنده
فقد طالما جاشت عليّ مناخره
إذا لم تكن عون الشجيّ على الأسى
فخاذله فيه سواء و ناصره
قني البأس وامنع شعبك الضّعف يتّقي
و ينصفه من حسّاده من يناكره
هو الدهر من ضدّين ذلّ و عزّة
فمن ذلّ شاكيه و من عزّ شاكره
و للقادر الماضي العزيمة حلوة
و للعاجز الواهي الشكيمة حازره
و ما للناس إلا القادرون على العلى
و ليست صنوف الطير إلاّ كواسر
ألم تره منذ استلينت قناته
تمشّت
فأرهق حتى ما يبين كلامه
و قيّد حتى ليس تسري خواطره
و لو ملكوا الأقدار استغفر الذي
له الملك يؤتيه الذي هو آثره
لما تركوا شمس النهار يزوره
سناها ، و لا زهر النجوم تسامره
يريدون أن يبقى و يذهب مجده
و كيف بقاء الشعب بادت مآثره ؟
فغورست في مصر يسدّد سهمه
إليه و قنّاص الوحوش يضافره
يلجّون في إعناته فإذا شكا
يصيحون أنّ الشعب قد ثار ثائره
لقد هزأوا لما تنّبه بعضه
فلم ذعروا لما تنبّه سائره ؟
يقولون جان لا يحلّ فكاكه
و لو أنصفوه حمل الإثم أسره
عجبت لقوم ينكرون شعوره
و هاتا مجاليه و تلك مظاهره
ألم يك في يوم القناة ثباته
دليلا على أن ليس توهى مرائره ؟
يعزّ على المصريّ أن يحمل الأذى
و حاضره يأبى الهوان و غابره
لئن تك للتاريخ و الله زينة
فما زينة التاريخ إلاّ مفاخره
رعى الله من أبنائه من يذود عن
حماه ، و من أضيافه من يظاهره
هم بعثوا فيّ الحياة جديده
فشدت أواخيه و عزّت أواصره
و هم أسمعوا الأيّام صوتا كأنّما
هو الرعد تدوي في السماء زماجره
و هم أطلقوا أقلامهم حين أصبحت
مكبلة أقلامه و محابره
كذلك إن يعدم أخو الظلم ناصرا
فلن يعدم المظلوم حرا يناصره
إضافة تعليق - (( user.name )) - خروج
ادارة موقع الشعر (( comment.message.user.name )) (( comment.message.user.name ))
(( comment.message.text ))
لا يوجد تعليقات.