آخينا زعفرانة البحر - قاسم حداد

آخينا زعفرانة البحر
 
وهي تخرج عن خبيئة الجبل
 
تزخرف مخيلة الغابة
 
وتمنح الغريب وردةَ الليل
 
آخينا الماء بزرقته القانية
 
وهذيانه الناضج
 
نغسله بمراراتنا القديمة
 
فيتفجّر في أعطافنا حنين الوحشة
 
نخبئ أفئدتنا المرتعشة
 
تحت القمصان والأغطية وضراوة الثلج
 
مثل ذئاب متوحدة
 
نخفيها في آبار الذاكرة
 
لئلا تفضحنا بنشيجها المكبوت
 
جئنا بأكثر الأعضاء رهافة
 
لننساك
 
لننسى نسيانك
 
فتشهق بنا جمرة القلب
 
تلامس حواسنا الشجرة ذاتها
 
الغابة ذاتها
 
والهواء الشفيف ذاته
 
هذا هو إذن
 
الفضاء الذي ازدحم بك
 
الخضرة التي شغرت من أجمل كائناتها
 
بعد رحيلك
 
جئنا
 
نؤاخي غابة ثاكلة بعدك
 
لننساك
 
لننسى نسيانك
 
فتشهق بنا الأفئدة
 
كمن يطلق الريح في جمرة النص
 
جئنا
 
رحيلاً من جنة الأعالي نحو السواحل المأهولة
 
بنحيب القواقع واحتدام الموج
 
من سواد البلاد المكتظة بتاجات النخيل
 
والمياه القديمة
 
نحو الجزر الموشحة بأهداب النيازك
 
المشحونة بالمرارات
 
جئنا نسأل المنتجع
 
علاجاً لنسياننا
 
رحيل ٌ مترفٌ بالوجع ومواكب الدمع
 
في الخطى المشبوبة
 
ساعيةً لعدالة المطر وهو يغسل الرجال
 
بنسوةٍ ينسجنَ القوس الفادح
 
مجللات بسواد البهجة
 
فيهنَّ حاملات القرابين
 
فيهنَّ المعصوبات بالسعف الطازج
 
فيهنَّ المندلعات بأثداء النعمة
 
اللائي يدْهنَّ بالتوابل أجساداً تسوق النوارسَ
 
مزينةً بالريش المبتلّ ، مغرورةً كالريح
 
في مرورنا الرشيق بين موائد البحر
 
نلملم عسل الشموع ونبجّل به غيابك الغامر
 
لعل رحيلنا الباكر يمنحنا نعمة نسيانك
 
في الأقداح المعبوبة حتى الثمالات
 
بالشفاه المرتعشة تحت المطر العادل
 
يستعيد لنا فصاحة الحواس
 
وهي تصف الهوادج في ترنح الرحيل
 
أقداحٌ نعبّها حتى تشفّ صور نسائنا
 
في الزجاج الثمل مصقولاً بجوهرة الأفئدة
 
في تاجات الزبد تحرس مراكبنا مبحرة
 
مثل حليبٍ يطيشُ في القصعة
 
ويمنح الطفل أختامَ النشوة
 
ليظن أنها الملاك .. وينام
 
رحيلٌ يضع زفير أرواحنا في التجربة
 
يعرّينا من حنين جامح
 
رحيلٌ فادحٌ
 
خلعنا له أجمل قمصاننا
 
لنجد أعضاءنا مستوحشة في وحدة الطريق
 
في ملح جارح يؤجج الجراح
 
متوغلاً في الخفيّ من أسرارنا
 
رحيل يذهب بنا
 
تاركين دفء أكواخنا في غياهب النخل
 
ميمّمين نحو مسارب الحجر
 
أعطافنا مثقلة بذريعة الطرائد
 
رحيلٌ مثل فرار فاجع من شراك الغبار
 
نلثم رطوبة الرمل بالأهداب
 
ونطبع القبلات في هواءٍ يتكاثف على زجاج أيامنا
 
دخان الأكباد يندلع مختلطاً بتشنجات العضل
 
وافدين مثل مرضى الجنَّة على مشارف الجحيم
 
في تهدّج مهجنا المستثارة بفعل المسافة
 
نساؤنا يمزقنَ أسمالهنَّ لئلا نذهب
 
فنشدُّهنَّ من قلائد أعناقهنَّ لفرط الرحيل
 
نؤجل بهنَّ ليل الأسلاف
 
بكتبٍ تفتح الطريق أمام أشباحنا
 
نرسم لأحفادنا مستقبل النوم
 
بالحليب الشحيح في أثداء نسائنا
 
ونهدهد مهود أطفالنا بزفير الأفئدة
 
لئلا ينالهم ندمٌ على ذهابنا الباكر
 
في اختلاج معاجمنا باللغة
 
نتلو صلوات مكسورة بماء الرغبة
 
قدمٌ في النوم
 
و قدمٌ في نعاسٍ نظنُّ أنه اليقظة
 
تلك هي جذورنا صاعدة
 
في غيم لا يعرف تقويم الفصول
 
تلك هي خريطتنا المنهوبة
 
مبذولة للمهبّ
 
ما إن تغفو أجسادُنا في شهوة الليل
 
حتى تستفرد بنا ضباعٌ تتبع خطواتنا
 
تشمُّ رائحة الدم وتمشي عليه مثل الخيط
 
تقتحم علينا غرفة القلب
 
منتهكة بكورة أحلامنا
 
ليس فينا من ينسى نسيانه
 
ولسنا في الأسلاب.
 
نذهب في رحيلنا
 
ونسمّي أحلامنا تميمة السفر
© 2024 - موقع الشعر