عَاشُورَاءُ شَامَةٌ فِي خَدِّ شَهْرِ مُحَرَّم.
يَوْمٌ تَطِيبُ نُفُوسُنَا بِلُقْيَاه، وَتَسْعَدُ قُلُوبُنَا بِرُؤْيَاه، مَعَ هِجْرَةٍ مُشْرِقَة، فِي مَوَاسِمَ مُتَدَفِّقَة.
فَأَكْرِمْ بِمَوْسِمٍ أَشْرَقَتْ شَمْسُهُ بِخَيْرِ طُلُوع! وَغَدَا الصِّيَامُ فِيهِ فَيْضًا رَائِقَ الْيَنْبُوع، كَالنُّجُومِ فِي انْتِشَارِهَا، وَالدُّرَرِ فِي انْتِظَامِهَا، وَأَزَاهِيرِ الرَّوْضِ فِي عَبِيرِهَا.
قَالَ اللهُ تَبَارَكَتْ أَسْمَاؤُهْ: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ).
يَوْمُ عَاشُورَاءَ.
طُمَأْنِينَةُ قَلْب، وَسَلَامَةَ دَرْب.
وَبَهْجَةُ نَفْس، وَيَقَظَةُ حَس.
وَسَعَادَةُ رُوح، وَدَوَاءُ جُرُوح.
وَانْشِرَاحُ صَدْر، وَنَعِيمَ صَبْر.
وَهُدُوءُ بَال، وَاسْتِقْرَارُ حَال.
وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ سَبِيلُ الْأَخْيَار، وَلَا يَعْرِفُ قَدْرَهُ إِلَّا مَنْ ذَاقَ فَضْلَه، وَلَا يَنَالُ أَجْرَهُ إِلَّا قَلْبٌ سَلِيم، صَدَقَ لِرَبِّهِ بِحُسْنِ التَّسْلِيم، فَنَالَ قَصَبَ السَّبْقِ فِي التَّعْظِيم، فَارْتَفَعَتْ بِهِ الْمَطَالِع، وَانْقَطَعَتْ دُونَهُ الْمَطَامِع، وَخَيْرَاتُ صِيَامِهِ مَشْهُودَة، وَبَرَكَاتُه مَشْهُورَة، مِنْ مَغْفِرَةِ صَغَائِرِ الذَّنْب، وَتَهْذِيبِ بَوَادِرِ الْعَيْب، فَأَكْرِمْ بِعَبْدٍ أَعْمَلَ جَوَارِحَهُ بِالتَّهْذِيب، وَوَطَّنَ نَفْسَهُ بِلُزُومِ التَّأْدِيب، فَيَرْجِعُ عَنْ مُعَاقَرَةِ كَبَائِرِ الذَّنْب، وَيَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ بِتَوْبَتِهِ كُرُوبَ الْقَلْب، وَمَنْ أَذْنَبَ فَمَا تَاب، ضَلَّ سَعْيُهُ وَخَاب.
وَكَمْ فِي ذَلِكَ مِن بَصَرٍ حَسِير، وَقَلْبٍ بِشُؤْمِ الذَّنْبِ كَسِير.
فَاعْلَمْ يَا ذَا الْحِجَا، أَنَّهُ مَنْ صَدَقَ فِي تَوْبَتِهِ مِنَ الْهَلَاكِ نَجَا.
فَطُوبَى لِمَنْ لَزِمَ هَدْيَ الْمُرْسَلِينَ بِقَنَاعَة، وَجَعَلَ مَرْكَبَ الصَّبْرِ عَلَى طَلَبِ رَضَا رَبِّهِ خَيْرَ بِضَاعَة، فَبِاتِّبَاع هَدْيِ النَّبِيِّ يَبْلُغُ الْعَبْدُ مِنْ نُورِ الرِّضَا مُنْتَهَاه، وَمِنْ دُونِهِ لَيْسَ لَهُ نُورٌ يُضِيءُ دُجَاه.
وَتَأَمَّلْ بِقَلْبِكَ خَوْفًا تنازعه أوهام الشك، وَأَمَلًا تُرَافِقُهُ أَنْوَارُ الْيَقِينِ.
قَالَ اللهُ تَبَارَكَتْ أَسْمَاؤُهْ: (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ، قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ).
فَكَمْ مِنْ خَيْرٍ أَسْدَاهُ اللهُ إِلَى الْعَبْدِ فَوَجَدَه، حِينَ يَدْعُوهُ عِنْدَ فَاقَةٍ فَيَسْتَجِيبُ مَا وَعَدَه، وَلَيْسَ كُلُّ مَا يُحِبُّهُ الْعَبْدُ وَقَلْبُهُ يَهْوَاه، مُحْبَوبٌ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَهُ يَرْضَاه، وَتَعَلَّقُ الْعَبْدِ بِرَبِّهِ خَيْرُ سَلَاح، يُحَقِّقُ لَهُ فِي الدُّنْيَا الصَّلَاح، وَيَجْنِي بِهِ فِي الْأُخْرَى الْفَلَاح، وَالتَّعَلُّقُ بِأَهْدَابِ الْيَقِينِ خَيْرُ مَا يَتَقرَّبُ الْعَبْدُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ وَيَتَوَسَّل، وَيَسِيرُ بِمَقَاصِدَ بِهَا إِلَى الْخَيْرِ يُتَوَصَل.
لَا يُبَالِي فِي سَيْرِه إِذَا فَارَقَهُ صَاحِبٌ أَوْ جَفَاه، وَلَا يَهَابُ الْعَدُوَّ إِذَا فَغَرَ لَهُ فَاه، وَالْإِحْساسُ بِأَنْوَارِ الْيَقِينِ عِنْدَ الْعَبْدِ الْمُنِيبِ يَنْمُو وَيَزِيد، وَالْعَبْدِ الْعَنِيدُ يُقَاسِي وَيُعَانِي وَهُوَ عَلَى نَفْسِهِ شَهِيد، فَلَا يَرْضَى وَنَفْسُهُ بِأَقْدَارِ رَبِّهِ لَا تَطِيب، وَيَأْخُذُ التَّأَسُّفُ مْنْهُ أَوْفَرَ نَصِيب، وَمَنْ تَلَبّسَ بِالشَّرِّ مِزَاجُه، شَقَّ عَلَى النَّفْسِ عَلَاجُه.
وَإِنْ أَرَدْتَ الْإِنْصَاف، فَلُزومَ غَرْزِ النَّبِيِّ فِي مُخَالَفَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ سَبِيلُ الْعَفَاف، وَعَزِيزُ النَّفْسِ تَحُفُّهُ بِالْفَضَائِلِ أَخْلَاقُه، وَإِنْ أَصَابَهُ كَدَرٌ لَا يُفَارِقُ وَجْهَهُ طَلَاقُه، وَلَا يَحْرِقُ أَنْفَاسَهُ مِنَ كُؤُوسِ الْحَزْنِ مَذَاقُه، فَادْفَعْ عَنْ نَفْسِكَ اْلكَلَف، وَسِرْ عَلَى طَرِيقِ السَّلَف، تَسْكُنْ مِنْ جِنَانِ رَبِّكَ خَيْرَ الْغُرَف.
فَصُمْ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَذَكِّرِ بِصِيَامِهِ أَهْلَكَ.
فَمَوْسِمُ الْخَيْرِ يَجْمَعُنَا لِنَنْهَلَ مِنْ مَعَانِيه، وَفَضْلُ اللهِ يَشْمَلُنَا فَمَنْ ذَا بَعْدُ يُحْصِيه؟
فَذَكِّرْ بِهِ نَفْسَكَ وَأَهْلَك، فَمَنْ أَعْرَضَ فَاصْطِبرْ عَلَيْهِ وَلَا تَقُلْ لَا مَحَالةَ يَهْلَك، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِحُسْنِ التَّفَقُّد، وَجَمِيلِ التَّعَوُّد، وَالتَّنْشِئَةِ عَلى حُبِّه، وَغَرْسِ قَدْرِهِ فِي قَلُوبِهِم، وَتَأْكِيدِ مَكَانَتِهِ فِي نُفُوسِهِم، وَأَفْلَحَ رَجُلٌ كَانَ لِأَهْلِهِ فِي الْفَضَائِلِ قُدْوَة؛ إِذْ كَمْ لَهُ فِي الأَنْبِيَاءِ أُسْوَة، وَذَلِكَ إِبْرَاءً لِلذِّمَّة، فَلَا تُلَاحِقُكَ الْمَذمَّة، وَأَدَاءً لِلْوَاجِب، فَاجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ النَّارِ أَلْفَ حَاجِب، وَقِيَامًا بِحَقِّ الرَّعِيَّة، بِحُسْنِ النِّيَّة، وَصَلَاحِ الطَّويَّة.
وَثَمَّةَ أَمْرٌ يَجِبُ اسْتِحْضَارُه، لَهُ فِي الْأَحْوَالِ أَسْرَارُهُ، وَفِي الْخَلْقِ أَنْصَارُه.
الْخَيْرُ فِي اتِّبَاعِ هَدْيِ النَّبِي ﷺ.
فَمَنْ ضَلَّ عَنْ هَدْيِ النَّبِي فَلَا خَيْرَ فِيه، وَمَنْ اهْتَدَى بِهَدْيِهِ فَاللهُ يُنْجِيه.
كتبه : أشرف السيد الصباغ
عناوين مشابه
متعلق بي
إضافة تعليق - (( user.name )) - خروج
ادارة موقع الشعر (( comment.message.user.name )) (( comment.message.user.name ))
(( comment.message.text ))
لا يوجد تعليقات.