نصيحة أسيء فهمها! - أحمد علي سليمان

كلماتٌ لم تنزلْ أرضا
ودروسٌ غالتْها الفوضى

وعِظاتٌ طارئة عَجْلى
ترتصِدُ التنفيذ المَحضا

ورسالة مُنتفِض حُرٍّ
كانت كالسيف إذا يُنضى

ما عَضَّ عليها مُنتصتٌ
بنواجذَ تَفترشُ العَضا

لم يُصْغ لها لمَّا عُرضَتْ
لم يُحسِنْ صاحبُها العرضا

والمَولى يَعلمُ نيته
والأمرُ لحِكمته يُقضى

جاء الناصحُ عن مَوعِدةٍ
وعلى عَجَل يَركُضُ رَكْضا

يَنصحُ عن سابق تجربةٍ
كي يَنفض ما أنوي نفضا

ويَسوقُ دَليلاً ودَليلاً
كالغيض إذا زايلَ فيضا

ويُفصِّلُ دَعواه بصدق
يَرجو ويُؤمِّلُ أن أرضى

ويُعيدُ القولَ ويُبدئهُ
والسامعُ يُلقِمُه النقضا

ويُحَلي مُرَّ نصيحتِه
ويُلِحُّ ، ويُهديني الحَضا

وأسأتُ الفهمَ لأفكار
ساميةٍ لم تنزلْ أرضا

بل صَعِدتْ ترتقبُ ضياعي
ولقائي بالشهم انفضا

وبَقِيتُ أصارعُ أهوالاً
ما ذاقتْ عينايَ الغمضا

والعيشُ تولتْ فرحتُه
والباطلُ قد هتكَ العِرضا

في أشقى خندمةٍ طالت
لم تُدركْ حداً أو فضا

أنتظرُ نهايتها وحدي
وأحثُ الأطراف المَرضى

وتحقق وعدٌ موعودٌ
ما فُرضَ على نفسي فرضا

لكني استهزأتُ بنصح
إذ غاضتْ رقتُه غيضا

وأطعتُ هوايَ ، فجندلني
والسُّمعة كم تشكو الخفضا

ما كنتُ بنصح مُنتفعاً
والقلبُ به يَنبضُ نبضا

وعصيتُ الكل وقد وعظوا
وأطعتُ بتصميمي البعضا

فانخفضتْ راية مُنتصح
أمسى الأحبابُ له جَرضى

فادرسْ يا عبدُ نصيحة مَن
أولاك بها ، وانهضْ نهضا

مناسبة القصيدة

(أحياناً تُعرَضُ علينا نصائحُ ذهبية. ولكن لأن أصحابها لم يُحسنوا عَرضَها نسيء فهمها. وأحياناً نتشربُ بالهوى ، فيُعمينا الهوى عن قبول النصائح. وأحياناً نغلو في حب أشخاص فيَصرفنا الحبُّ عن عيوبهم ، كما يَصرفنا الحب عن قبول النقد فيهم والطعن عليهم والمؤاخذة فيما اقترفوا من بلايا. وهذا الرجل الناصح يعتبر من النوع الأول الذي لم يُحسن عرض النصيحة. حيث تقدم لابنة أخيه خطيب. وأراده الرجل خطيباً لابنته التي صارحتْ أباها بحب هذا الخطيب. والله أعلم بنيته وقصده. فجاء إلى الخطيب وقال له بعد مقدماتٍ واهية: (لن تقدر على أخي فلان ، وأردف مثلاً مصرياً مشهوراً يقول: (حط القدرة على فمها تطلع البنت لأمها). محذراً من أبي العروس الذي هو أخوه ، ومُعَرِّضاً بجناب عِرض أخيه ذاماً أم العروس التي هي زوجة أخيه. ومحذراً من عروس ستكون مثل أمها في العادات والخلال والصفات ، تلك العروس التي هي ابنة أخية ، وهي كذلك بمثابة ابنته: (العم أب) بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم. وبرغم أن الرجل كان على حق فيما يقول ، وقال بقوله خلقٌ كثير ، ولكن الخطيب لم يَنتصتْ إلى جُملةٍ واحدةٍ من النصيحة الثمينة الغالية الذهبية. وراح يُشكك في النصيحة والناصح ، ويطعن في قصده ويرتاب في نيته ويرمي سهامه في نحر سريرته ، ويقول هذه نصيحة مريبة غير صافية ، ولم يلتفت إلى فحواها ، ولم يُولها شيئاً من الدراسة والتمحيص ، وتبين له بعد حين أن الرجل كان على حق ، وأن كلماتِه أبتِ الدُّنو من الأرض ، بل عُلقتْ بين السماء والأرض ، وكانت إلى السماء أقربَ منها إلى الأرض ، كما يقول الناس. وحالتْ إساءة الفهم - تلك النتيجة التي وجدت لإساءة عرض النصيحة – دون الاستجابة لها وفي القصيدة أثني على النصيحة الجميلة ، وأستهجن طريقة الناصح في عرضها ، وألوم المنصوح الذي لم يَعذر صاحبَ النصيحة ، ولم يَفطن إلى الجانب الإيجابي فيها. وأفاق المنصوح ، ولكن بعد فوات الأوان ، ولات ساعة مندم ، أي أفاق وانتبه بعد الزواج من الفتاة التي تم التحذير من الزواج بها ومن قبول نسب أبيها ومصاهرته. فلقد ذاق الأمرين على يد هذه الزوجة وعلى أيدي أهلها الأصهار غير المخلصين. وكان عليه أن يَتريث ويدرس ، ويُمَحص نصيحة ذكرها بين يديه غيرُ واحدٍ من المخلصين المحبين له والراسخين في معرفته. وندم ولكن بعد فوات الأوان. وأراد الإصلاحَ للحال المعوج المزري ، فاستحال عليه الإصلاحُ ، فارتضى العيش بمَرارته.)
© 2025 - موقع الشعر