بين الصبي وجدّه! - أحمد علي سليمان

مَعاشٌ ساقكم نحو المَماتِ؟
وهزلٌ يَعتلِي مَتنَ الحياةِ؟

تناقضُ عَيشِكم يَئِدُ السجايا
ويَجتلِبُ البَلا والنائبات

وإنْ بَدَتِ المحاسنُ فيه شتى
وإن غشِيتْه أرجى المُعجزات

وإنْ عَمَّتْ مَناقبُه وطمَّتْ
وجَللَ باليَسار الكائنات

وإنْ بلغتْ حضارتُه الثرَيا
وحَلّتْ ما اشتكى مِن مُشكلات

ألست ترى السرابَ يَسُودُ عيشاً
ويَدمغه بأعتى المُوبقات؟

ألست ترى المَصائبَ في الضواحي
تُجَرِّعُكم أليمَ المُعضلات؟

ألست ترى التخلفَ يَحتويكم
ويُلزمُكم قبُولَ الترَّهات؟

تنصَّلتُم مِن القيَم افتآتاً
على الشيَم العِزاز الخالدات

وعِشتُم دون رُشدٍ أو رَشادٍ
فبُؤتُم بالتمزق والشتات

وصِرتُم كالغثاء لكم رغاوي
وغِيضَ الماءُ في الأرض الفلاة

وطالعْ ما رَوى التاريخ عنا
مِن الأخبار خلف التجْربات

تجدْ جيلاً حيا الدنيا بدين
دَرى التوحيدَ مِن قبل الصلاة

وتوَّجَ بالعقيدة كل فعل
وأمعَنَ في التنسُّك والثبات

ولم يَشغله قِشرٌ عن لباب
ولم يَألفْ رُكوبَ السَّيئات

وأغناهُ التعبُّدُ عن سُقوطٍ
شديدٌ وقعُه في المُحدَثات

وما انقطعتْ به رحمٌ قلاها
لأن الوصلَ مِن خير السمات

وما ترك الصلاة بدون عُذر
وكاد يَذوبُ إن سَمعَ العِظات

وما عافَ الكرامة والتسامي
عن الزلات تُقبِلُ مُخزيات

وكان الجِّدُّ طابَعَه المُرَجَّى
لأن الجِّدَّ مِن دَأب الأباة

أحَبَّ الوالدين بلا عُقوق
فكم يُفضي العُقوقُ إلى التِرات

وكم حَيَتِ العوائلُ في ائتلافٍ
وأكرمْ بالأفاضل والسُّراة

ترَيَّثْ يا بُنيَ ، وكنْ حليماً
ألا انفضْ عنك آثارَ السُّبات

أفِقْ من غفلةٍ أعْمَتْك حتى
طواك سنا الأماني الخادعات

يَمينَ الله في الجيلين فرْقٌ
وليس يُحَيِّرُ الشُّمَّ الثقات

مُقارنة مَراميها تناءتْ
فلا تسمعْ لتحريف الغلاة

نصحتُك لو يُفيدُ النصحُ شِبلاً
يَميلُ إلى الرَّزانة والحَصاة

وربُّ الناس يَهدي مَن تحلى
إذا احتدَمَ التخاصُمُ بالأناة

مناسبة القصيدة

(إنه حوار لا تنقصه الصراحة من طرفيه. جد وحفيد لم يناهز الحُلُم قال الصبي يخاطب جده: جدّي: كيف عشتُم في الماضي بدون تكنولوجيا؟ بدون كومبيوتر؟ بدون إنترنت؟ بدون تلفزيون؟ بدون سيارات؟ بدون موبايلات؟ فأجاب الجد: تماماً بتمام يا بُنيّ ، كما يعيش أغلبُ أفراد جيلُكم اليوم بدون توحيدٍ ولا عقيدة ، بدون صلوات ، بدون مشاعر ، بدون أحاسيس ، بدون عواطف ، بدون أخلاق ، بدون مباديء ، بدون قيم ، بدون كرامة ، بدون إنسانية ، بدون صبر ، بدون مسؤولية ، بدون عصامية ، بدون حياء ، بدون رضا. لماذا؟ والجواب: لأن الحضارة الجاهلية حلت محل هذه الأشياء. ولكن جيلنا عاش بالتوحيد والعقيدة ، وعاش بالصلوات وسائر فرائض وشعائر وشرائع الإسلام ، وعاش بالمشاعر والأحاسيس والعواطف ، وعاش شهماً بالكرامة والإنسانية والحياء والرضا ، وعاش بالقيم والأخلاق والمباديء ، وعاش بالمسؤولية والاحتمال والتحمل والعصامية. فقد حلت هذه الأشياء محل كل الأعراف والعادات والتقاليد ، وكانت في مجموعها عاصماً لنا من أي تخريب أو تخريب أو أي أفكار وافدة إلينا من أقوام لا تدين بديننا ولا تتمذهب بمذهبنا ولا تصطبغ بأعرافنا ولا بتقاليدنا ولا بعاداتنا يا بُني لقد كان ديدننا الاعتماد على الله تعالى والتوكل عليه واللجوء إليه والصدق معه والإخلاص له في كل أمر وشأن. فرزقنا منه العَصامية والصبر والاحتساب: فعندما نعود من المدرسة كنّا نحل واجبات الدروس بأنفسنا ، دون مساعدة الوالدين أو المدرس الخصوصي. وكنّا نلعب مع أصدقاء حقيقيين بحب واحترام وعطف وحنان ، ولم نكن نلعب مع أصدقاء وهميين افتراضيين مثلكم. ولم نكن نقلق أو نمرض ، رغم أننا كُنّا نتشارك في نفس الكوب ونفس الصحن مع الأصدقاء والأهل. لم يزد وزنُنا أبداً من تناول الخبز والمُعجنات كل يوم لأننا كنا نأكل لنسد الجوع فقط. فما بنا للطعام نهمة ولا شره. ولم نُصَب بالقلق ولا بالتوتر ولا بالأمراض النفسية ولا العصبية ، رغم قساوة عيشنا وشظف حياتنا وضيق ذات أيدينا وصعوبة ظروفنا. ولم يكن أهلُنا أغنياء ، ولكنهم أهدونا (الحب والحنان واللين والشفقة) ، وليس الهدايا المادية النفيسة.)
© 2025 - موقع الشعر