بين الرافعي والعميد! - أحمد علي سليمان

أصلحْتَ بما قلتَ المَيْلة
وأزلتَ الشبهة والعلة

وأعدتَ القوسَ لباريها
وكشفتَ الفتنة والغفلة

وبسيفك قوَّمتَ السوآى
ومحوتَ من الدعوى المُثلة

وقهرت الباطلَ عن رغم
واخترت له أحلى قِتلة

لم تكُ في رَدِّك مُجترئاً
بل خَصمُك مَن بدأ الجولة

واتهمَ ، وما ساقَ دليلاً
والجُملة تتبعُها جُملة

والدافعُ غيرتُه اشتعلتْ
وبعزمك أطفأت الشعلة

وتراثك تسطعُ أنجُمُهُ
ومَقاصدُه نصرُ المِلة

ما بعت الدينَ لمن حكموا
ما مِلت لهم أدنى مَيلة

ما عِشت بعِلمك مُرتزقاً
وصَنيعُك تصنعُه القلة

جاهدت لتسموَ شِرعتُنا
وتكونَ لها أقوى دَولة

ويَراعُك لم يهزلْ يوماً
ليُجاريَ تطويعَ الشلة

وكِتاباتٌ لك شاهدة
وبلغةٍ راقيةٍ سهلة

أسلوبٌ سهلٌ مُمتنعٌ
وشذى الكلمات له حُلة

و(رسائلُ أحزانك) فرحتْ
أن صدرتْ منك لها قولة

تختصرُ النَيلَ ، وتُوبقهُ
وتُقِيمُ لنصرتها حفلة

وتصدُّ الغيرة ما احترمتْ
جهداً لم تعط له مُهلة

في شهر تمَّتْ كاملة
صَحَّتْ ، ليست بالمُعتلة

وتحدَّتْ ناقلها جهراً
تنفي رُؤيته المُختلة

هل في عامين ستُنجزها؟
أم ثقلتْ أبعادُ الشغلة؟

مناسبة القصيدة

(كتب طه حُسين مُعلّقاً عن كتاب "رسائل الأحزان" للأديب المصري المحترم الأستاذ مصطفى صادق الرافعي قائلًا: إنَّ كلّ جملةٍ من جُمَلِ الكِتاب تبْعثُ في نفسي شُعورًا قوِياً أنّ الكاتِب يلِدها وِلادة ، وهو يُقاسي في هذه الوِلادةُ ما تُقاسيهِ الأمُّ من آلامِ الوضع. فرَدّ عليه الرّافعي قائلًا: لقد نبغتَ في الخيالِ بعد أنْ قرأتَ "رسائل الأحْزان" ، وستَنْبغ أكثرَ بعد أنْ تقرأْ "السّحاب الأحمر" ، أفأنتَ تقومُ لي في بابِ الاستعارةِ والمَجازِ والتّشْبيه". لقد كتبتُ "رسائل الأحزان" في ستةٍ وعشرين يومًا ، فاكتُب أنتَ مِثلَها في ستةٍ وعشرين شهرًا ، وأنتَ متفرغ لذلك العمل ، وأنا مشغولٌ بأعمالٍ كثيرَةٍ لا تدعُ لى من النّشاطِ ولا من الوقتِ إلا قليلاً. وها أنا أتحدّاكَ أنْ تأْتي بمثلها أو بفصلٍ من مثلِها ، وإنْ لم يَكن الأمر عندك في هذا الأسلوب الشّاق عليكَ إلا ولادةً وآلاماً مِن آلامِ الوَضع كما تقول ، فعليَّ نَفَقات القابِلة وأجر الطّبيبة متى وَلدتَ بسلامةِ الله تعالى. وعموماً الرافعي رحمة الله تعالى عليه قامة في الأدب نثره وشعره ونقده ، نعم قامة لا يُستهان بها. لقد كتب فأحسن الكتابة ، وقصَّدَ فأحسن صياغة الشعر ، وخطب فأحسن الخطابة. وناظر فأجاد المناظرة ، وحاكم فأتقن المحاكمة. والقاصي والداني ، والحاقد والمخلص ، والصديق والعدو ، وأهل الصنعة وغير أهلها يقدرون قدر الرافعي ، ويعدونه من أفضل أدباء مصر والعالم العربي في العصر الحديث. وتراثه الأدبي والشعري تراث غزير ، وجدير بالدراسة والتقاط اللآليء والدرر. وأغلب أدباء العصر وقرائه وكُتابه وشعرائه استفادوا من الرافعي ، إن لم يتتلمذوا على يديه ، وينهلوا من أنهار أدبه العذبة. وقصيدتي تأثرتُ فيها بما دار بين الرافعي وطه حسين ، ورحتُ أنتصر للغة الرافعي السامية الراقية ، ولأدبه الجم ، ولفرط حِلمه ، وتحفظه في انتصاره لنفسه بأدب وحكمةٍ وسَكينةٍ وطمأنينة ووقار. رحم الله الرافعي وأسكنه فسيح جناته ، وكتبَ لتراثه القبول.)
© 2025 - موقع الشعر