طبع القط أن يخمش! - أحمد علي سليمان

هل لطبْع في الخلق كانت نِهاية
ثم خصَّتْ يوماً سِواه بداية؟

الطباعُ تبقى ، وتمضي الدَّعاوَى
بين طبع فرقٌ يُرى والدَّعاية

مَن يعِشْ يُدركْ مِن طِباع البرايا
ما يُغطي سَرداً لألف حكاية

هل حِمارٌ لم يَرفس الناسَ يوماً؟
إنما الرفسُ للحمير هواية

كيف يحيا ثورٌ بدون نِطاح؟
إنما النطحُ جُنة ووقاية

هل كلابٌ تحيا بغير نباح؟
كل نبح له سِجالٌ وراية

هل يعيشُ قط بلا خرمشاتٍ؟
إن طبع التخميش للقط آية

فاصبروا يا أهل العطا ، واستطيبوا
في سبيل العطاء أعتى نِكاية

كل بذل تنتابُه عَرقلاتٌ
مِن أساها يطغى الجفا والشكاية

كم جهول يُسيئ في الناس ظناً
واضعاً للمعروف أخزى نهاية

كم غشيم يُوشِي ليوقد ناراً
ليس نارٌ تكوي كنار الوشاية

كم سفيهٍ يؤذي بغير اكتراثٍ
عيشُهُ يَحلو باختلاق الإذاية

كم غوي ضاقتْ به ذاتُ بين
أفسدتْها بين الأنام الغواية

فاعتنوا يا أقوامنا بالتصافي
فالصفا يدعونا لبذل العناية

إن لمَّ الشمل المُبعثر فرضٌ
واحتسابُ الجهود أنبلُ غاية

واذكروا ما أوصى (النبيُّ) مِراراً
ربما أجدَتْ في الخِلاف الوصاية

هل كمثل هَدي (النبيِّ)؟ أجيبوا
لم يَمُتْ حتى خصَّنا بالهداية

واحذروا مِن أهواءَ تجني علينا
إن صُنع الأهواء أنكى جناية

قوم فاسعوا إلى الخيور احتساباً
إن بذل الخيور أجدى سِعاية

مناسبة القصيدة

(إذا كان من طبع القط أن يخمش ، فمن طبعي أنا كإنسان أن أُحب وأعطف لهذه الكلمة مناسبة وقصة. ذات يوم جلس عجوز حكيم على ضفة نهر ، وفجأة لمح قطاً وقع في الماء ، وأخذ القط يتخبط ؛ محاولاً أن ينقذ نفسه من الغرق ، قرر الرجل أن ينقذه ؛ مدّ له يده فخرمشه القط. فسحب الرجل يده صارخاً من شدّة الألم. ولكن لم تمض سوى دقيقة واحدة حتى مَدَّ يده ثانية لينقذه ، فخرمشه القط ثانية فسحب العجوز يده مرة أخرى صارخاً من شدة الألم ، وبعد دقيقةٍ راح يُحاولُ للمرة الثالثة. وعلى مَقربةٍ منه كان يجلس رجلٌ آخر ويُراقبُ ما يحدث فصرخ الرجل: أيها الحكيم ، لم تتعظ من المرة الأولى ولا من المرة الثانية ، وها أنت تحاول إنقاذه للمرة الثالثة؟ لم يأبه الحكيم بتوبيخ الرجل ، وظل يحاول حتى نجح في إنقاذ القط ، ثم مشى الحكيم باتجاه ذلك الرجل وربت على كتفه قائلاً: يا بُنيَّ من طبع القط أن يخمش ، ومن طبعي أنا أن أُحب وأعطف ؛ فلماذا تريدني أن أسمح لطبعه أن يتغلب على طبعي؟ يا بني: عامل الناس بطباعك لا بطباعهم ، مهما كانوا ومهما تعددت تصرفاتهم التي تجرحك وتؤلمك في كثير من الأحيان ، ولا تأبه بتلك الأصوات التي تعتلي متن كبريائك طالبة منك أن تترك صفاتك الحسنة ، لمجرد أن الطرف الآخر لا يستحق تصرفك النبيل. من أجل هذا الموضوع الفذ ، الذي هو غلبة الطبع على التطبع ، كانت هذه القصيدة العصماء ، لتبين غلبة الطبع.)
© 2024 - موقع الشعر